لا تترك التصريحات والمواقف الصّادرة عن مختلف الجهات والقوى اللبنانية حيال جلسة مجلس الوزراء، المقرّرة غداً الثلاثاء، لمناقشة ملف حصرية السّلاح بيد الجيش اللبناني و”نزع السّلاح غير الشرعي”، والمقصود هنا سلاح حزب الله وحلفائه كما سلاح التنظيمات الفلسطينية، لا تترك إنطباعاً إيجابياً أنّ الجلسة المذكورة لا تسير وسط حقل ألغام لا أحد يعرف أيّ لغم ومتى سينفجر فيها.
فلم يعد خافياً أنّ طلب نزع سلاح المقاومة هو طلب إسرائيلي بالمقام الأول يلقى دعماً كبيراً من الولايات المتحدة ودولاً أوروبية وعربية، وأنّ ضغوطات هائلة تمارس على الحكومة اللبنانية من أجل وضع برنامج لتحقيق هذا الطلب، وتحديد جدول زمني لهذا الأمر، وإلّا فإنّ عواقب التأخير في تنفيذ هذا الطلب، أو رفضه، ستكون وخيمة.
هذه الضغوطات الخارجية الواسعة حيال ملف السّلاح إنعكست وتنعكس داخلياً على نحو بالغ الخطورة، وأحدثت إنقساماً عمودياً بشكل يوحي أنّ إمكانية التلاقي على نقاط مشتركة حول موضوع السلاح، بين الأطراف اللبنانية، تبدو منعدمة، ما يجعل مصير جلسة الحكومة غداً غامضاً، ومفتوحاً على احتمالات شتّى.
من بين هذه الإحتمالات المتداولة تأجيل البحث في الموضوع، أو بحثه على أن تبقى جلسات الحكومة مفتوحة لاستكمال مناقشته في جلسات لاحقة، إنطلاقاً من قناعة أنّ ملفاً شائكاً بهذا الحجم لا يُعالج بجلسة واحدة، أو غياب وزراء الثنائي الشّيعي الأمر الذي سيحدث أزمة حكومية وسياسية .. وصولاً إلى حدّ اتخاذ الحكومة قراراً بنزع السّلاح غير الشرعي، بغياب وزراء الثنائي، ما سيؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام عدّة إحتمالات لا تؤدّي في نهاية المطاف إلا إلى نتيجة واحدة ألا وهي إنفجار الأزمة داخلياً بشكل واسع النطاق، سياسياً وأمنياً.
إلقاء نظرة سريعة على مواقف القوى السّياسية حيال هذا الملف لا توحي بعكس هذا الإنطباع السّلبي. الرئيس السّابق للجمهورية ميشال سليمان صرّح أمس أنّه “نترقّب أن يتّخذ مجلس الوزراء القرار الإعدادي للشروع في تنفيذ خطّة جمع السّلاح، تمهيداً لحصره بيد الدّولة”، محذّراً من أنّ ذلك سيكون “إمّا بداية مسار الإنقاذ، أو استمرار الإنهيار إلى ما بعد جهنّم”.
هذا الموقف تقاطع مع موقف رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع الذي تجاهل إعتداءات إسرائيل التي لم تتوقف على لبنان منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1948، قبل أن تولد أيّ مقاومة بوجهه في الجنوب سواء بعد اتفاق القاهرة عام 1969 أو بعد نشأة حزب الله عام 1982، عندما رفض جعجع ما أسماها “الذريعة” بأنّ حزب الله لا يستطيع التخلّي عن سلاحه طالما أنّ إسرائيل ما زالت موجودة في الجنوب، معتبراً أنّ “هذه الحجّة تضرب نفسها بنفسها، لأنّ إسرائيل إنّما جاءت إلى الجنوب بسبب السّلاح والحروب التي خاضها الحزب”.
بالمقابل، تبدو مواقف حزب الله وحلفائه في ضفّة أخرى معاكسة ورافضة كليّاً هذا الأمر، وهو ما عبّر عنه قبل أيّام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عندما أعلن رفض الحزب تسليم السّلاح، قبل أن يعتبر أمس عضو كتلة حزب الله النائب حسين جشي، تعليقاً على الجدل الدائر حول جلسة الحكومة غداً، بأنّ “الطلب من المقاومة التخلّي عن سلاحها من دون وجود بديل حقيقي، يُعدّ دعوة مكشوفة لتسليم لبنان لإسرائيل”.
وعلى الخطّ نفسه طرح الوزير السّابق مصطفى بيرم أسئلة تعكس أجواء حزب الله المستاءة سياسياً وشعبياً من تناول ملف السلاح وفق السّياق المطروح، لمّا سأل أمس: “هل السيادة تكون بمنع تسليح الجيش؟ وهل تكون عندما يأتي مندوب عربي مستعجل على التطبيع أكثر من الإسرائيلي، ويفرض هو والمندوب الأميركي جدول أعمال على حكومتنا؟ وهل السيادة أن تتحدث عن إستعادة قرار الحرب والسلم بينما صوت الطائرة المسيّرة يعلو فوق السّرايا الحكومية؟ وهل تكون السّيادة في العجز عن الدّفاع عن النفس، أو حين تُمنح أوراق القوة مجاناً، ولمن؟ للذئب؟”.
وسط هذا الإنقسام الحاد والمفتوح على شتّى الإحتمالات والمخاطر تكاد تكون معدومة نهائياً المواقف التي توازن، إلى حدّ ما، بين طرفي الإنقسام، وإيجاد مساحة ولو ضيّقة للتفاهم والتوافق لإخراج البلد من عنق الزجاجة وتجنيبه مخاطر تهدّده وجعلت مصيره على كفّ عفريت!
موقع سفير الشمال الإلكتروني