لبنان على مفترق خطر يهدد وجوده ككيان موحد، جراء انقسام داخلي عميق على القضايا المطروحة، وفي مقدمها سلاح المقاومة وحصريته بيد الدولة. القرار في هذا الشان سيناقش في جلسة الثلاثاء الحكومية، بعد وضع بند السلاح في مقدمة جدول الاعمال، لكن مسار الجلسة غير واضح حتى الآن، رغم الكم الهائل من التسريبات.
لكن المعلومات تؤكد ان اللقاء بين رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، كان مقررا قبل خطاب عيد الجيش، وكان عبارة عن جلسة مصارحة عامة في العديد من الملفات. وكان اللقاء ايجابيا، بانتظار تبلور الصورة اكثر في الايام المقبلة التي تسبق جلسة الثلاثاء. وشدد النائب رعد خلال اللقاء على الاستقرار الداخلي، وضرورة حفظ قوة لبنان، وعدم الخضوع للضغوط الخارجية. فيما ذكر ايضا ان اللقاء الذي جمع وفيق صفا والنائب حسن فضل الله بقائد الجيش العماد رودولف هيكل، كان محددا مسبقا وقبل التطورات السياسية وخطاب القسم.
وتقول المعلومات ان الحكومة ستقر حصرية السلاح بيد الدولة، على ان يجري تفويض المجلس الأعلى للدفاع، بالمضي في الاجراءات التنفيذية لقرار الحكومة، بعد وضع خطة من قبل قيادة الجيش، الذي اكد قائده العماد رودولف هيكل، ان «اسرائيل» تعرقل انتشار الجيش في الجنوب، واشاد بتعاون الاهالي مع الجيش.
بالتوازي، انشغل اللبنانيون بالخبر الذي جرى تعميمه عن نقل الملف اللبناني مجددا الى اورتاغوس وسحبه من براك، وسادت تحليلات كثيرة حول القرار ونفيه، في مقابل تأكيده من مصادر متعددة على صلة بالإدارة الاميركية.
في ظل هذه الاجواء، يصل الحراك السياسي الى ذروته خلال الايام المقبلة بين الرؤساء الثلاثة والقوى السياسية. وسبق الرئيس نواف سلام الاتصالات بالقول: «لا انقاذ للبنان الا بالعمل الجاد على حصر السلاح بيد الجيش وحده، ولا استقرار الا ببسط سلطة الدولة على كامل اراضيها وفقا لاتفاق الطائف».
بالمقابل، بات موقف حزب الله معروفا وواضحا للداخل والخارج، بأنه لن يسلم سلاحه ولن يناقش في هذا الملف، قبل الحصول على ضمانات جدية بوقف القصف والاغتيالات والبدء بالاعمار، بالتزامن مع فتح حوار مع الدولة اللبنانية حول الاستراتيجية الدفاعية. هذه الثوابت لن يتراجع عنها حزب الله مهما اشتدت الضغوطات المحلية والخارجية عليه، فرأس حزب الله في « الدق»، ورأس جمهوره وقياداته ومناطقه، لا بل الشيعة برمتهم يعيشون خطرا وجوديا، في ظل التسريبات عن قرار بتهجيرهم من لبنان، هذا ما المح اليه وزير المالية «الاسرائيلي» بان لا انسحابات من التلال الخمس، ولاعودة للاهالي للقرى المشمولة بالمناطق العازلة، مع استمرار الاغتيالات والغارات والطلعات الجوية.
وفي هذه الاجواء تسأل مصادر حليفة للمقاومة، كيف يمكن لحزب الله ان يتخلى عن سلاحه؟ هل هناك ضمانات بوقف الاعتداءات؟ هل هناك ضمانات بعدم استهداف قيادات حزب الله في الضاحية والبقاع؟ هل هناك ضمانات باعادة الاعمار؟ بالاضافة الى مئات الاسئلة المطروحة من قبل الجمهور الشيعي.
والسؤال الاساسي ايضا: من المستفيد من الضخ الاعلامي اليومي ضد حزب الله وجمهوره وتوتير البلد وهز استقراره، وكأنه على شفير حرب اهلية ؟ واذا كان المطلوب دوليا وعربيا اجتثاث حزب الله من المعادلة باي ثمن، فالأفضل لحزب الله ان يقاتل ويهزم بشرف، وليس من خلال استسلام مذل، ارضاء لبعض الداخل والخارج، كما تؤكد المصادر الحليفة للمقاومة.
مقاطعة امل وحزب الله للحكومة
وفي المعلومات، ان مقاطعة حزب الله وامل للحكومة لم تطرح اساسا في عين التينة وحارة حريك، والقضية فقط مجرد تسريبات اعلامية معروفة، والثنائي سيحضر الجلسة، الا اذا طرأت تطورات كبيرة فرضت غيابهما، لان الاتصالات مستمرة على اعلى المستويات، للوصول الى صيغة ترضي الجميع بشأن حصرية السلاح وتقر في مجلس الوزراء، والا المجهول، والمزيد من الخلافات والانقسامات داخل كل مؤسسات الدولة القضائية والعسكرية والديبلوماسية والامنية، وصولا الى داخل الحكومة والمجلس النيابي، وبالتالي شل البلد.
لكن اللافت ان النائب وائل ابو فاعور لم يسقط احتمال الوصول الى صيغة توافقية لموضوع حصرية السلاح. وكشفت المعلومات عن اتصالات لعقد لقاء قريب بين جنبلاط وحزب الله، علما ان الاتصالات بين جنبلاط وصفا لم تنقطع، وكل ما يتم تسريبه في الاعلام على ان العلاقة بين الطرفين تشبه اجواء ٥ ايار ٢٠٠٨، ليس الا من نسج الخيال وبعيد كليا عن الواقع.
وفي ظل هذه الاجواء، يعيش لبنان حبس أنفاس حقيقيا حتى يوم الثلاثاء، حسب مصادر سياسية، فواشنطن والسعودية و «إسرائيل» رمت الكرة في الملعب اللبناني، وفرنسا تحاول الوصول الى صيغة تفاهمية تحمي الاستقرار الداخلي، وعدم جر البلد الى المجهول، وسط الحديث عن سيناريوهات تصعيدية «اسرائيلية»، تشمل اغتيال اكثر من ٥٠ قياديا من الحزب، تهجير أهالي اقليم التفاح وقسم من أهالي البقاع، منع عودة أهالي الضاحية والجنوب، واحتمال توسع القصف ليشمل المناطق الشيعية في جبل لبنان، وتحديدا جبيل، لخلق توترات مسيحية- شيعية واللعب على الوتر الطائفي، بالإضافة إلى حجب المساعدات وتجويع الشعب اللبناني، وشل البلد وتحميل المسؤولية الى الشيعة.
حلفاء حزب الله
في ظل هذه الاجواء، يقوم حزب الله باعادة رسم تحالفاته، بعد ان انتهى من اعادة تنظيم أوضاعه العسكرية والسياسية والحزبية والامنية والمالية والعسكرية والفكرية والاجتماعية والصحية والاعلامية، وعادت الحيوية الى جسم الحزب، وتم الدمج بين الحرس القديم والجديد في تولي المسؤوليات. فقد انطلق الحزب حاليا باتجاه اعادة ترميم العلاقات مع الحلفاء، فالتواصل مع «التيار الوطني الحر» عاد بشكل طبيعي، وهناك لجنة تتولى الاتصالات، ويقوم وفد من الحزب بزيارة الرئيس ميشال عون صباح الاثنين. كما زار الحاج حسين خليل طلال ارسلان في خلدة، وتم النقاش باوضاع السويداء والانتخابات النيابية المقبلة.
ولن تستثني زيارات الحزب خلال الأسبوعين المقبلين ايّا من القيادات السياسية الحليفة، فالحزب ليس وحده في الميدان، بل يملك حلفاء على مستوى كل الوطن يدرسون خياراتهم بدقة، واستعدوا الى كل الاحتمالات للوقوف مع حزب الله في حال حصول تطورات في البلاد، ويملكون اوراق قوة، وقادرون على تحريك الشارع عندما يريدون، وفي اي وقت، رغم ان المؤشرات توحي بان «اسرائيل» لن تلجأ الى اجتياح شامل، وستقتصر إجراءاتها العسكرية على الأساليب المتبعة حاليا.
لكن اوساطا لبنانية تدعو الى عدم الاخذ بالتسريبات «الاسرائيلية» الاعلامية، في ظل مؤشرات عن بدء الاستعدادات للقيام بهجوم بري من جبل الشيخ، وصولا الى المصنع لتطويق البقاع .
الانتخابات النيابية
الاستعدادات للانتخابات النيابية بدأت في كل المناطق، والتحالفات ستكون نسخة عن انتخابات 2022، فالتحالف ثابت بين حزب الله وامل والتيار الوطني الحر وفرنجية وارسلان، وغيرهم من القيادات الوطنية. وما جرى بلديا بين امل والتيار في جزين، سيعطي قوة للتحالف بين هذه القوى. فيما بات التحالف بين «الاشتراكي» والقوات» محسوما لخوض الانتخابات النيابية، بشكل موحد في كل المناطق، وعلى القطعة مع الاحزاب الاخرى.
لكن الانظار باتت مصوبة باتجاه سعد الحريري، حيث تؤكد اوساط «المستقبل» خوضه للانتخابات النيابية، واستقراره في لبنان بشكل متقطع حتى رأس السنة، وبشكل ثابت بعدها، للإشراف المباشر على التحضيرات، فيما بهاء الحريري سيستقر في لبنان مطلع ايلول لخوض الانتخابات.
وفي المعلومات ان واشنطن والرياض تشرفان بشكل مباشر على فريقهما النيابي، للفوز بالاغلبية النيابية وهزيمة حزب الله وحكم البلد، وهذا يتطلب استمرار الحصار الخانق على لبنان وجمهور حزب الله، من خلال حجب الأموال الايرانية عنه، منع الاعمار، استمرار الاغتيالات والقصف، لخلق جو شيعي معاد لحزب الله، وخلق بيئة غير منضبطة ضده وتشويه صورته. وسيتم ذلك، بالتوازي مع دعم مجموعات يسارية، واخرى ناقمة على الحزب، بهدف خرق الكتلة الشيعية بنائب او نائبين. هذا الامر سيشكل اكبر انجاز للرياض وواشنطن في حال تحقيقه، تمهيدا لقلب الصورة كليا في الساحة الشيعية. ومن هنا بدأت القوى الاساسية التحضيرات الفعلية للانتخابات النيابية في ايار 2022، ومن يفز يحكم لبنان.