هل كان الأمر يحتاج إلى 20 عاماً لكي يعترف رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل أنّ مشاركته وتيّاره البرتقالي في الحكم طيلة عقدين من الزمن هي “أكبر خسارة لنا”، وهو الذي كان يصرّ وتيّاره ومؤسّس التيّار الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون على المشاركة في الحكم وفق شروطهم التعجيزية؟.
يوم أمس، وعلى هامش رالي البترون الأوّل، قال باسيل ردّاً على سؤال بأنّ “أكبر خسارة لنا كانت عندما دخلنا الحُكم”، معتبراً أنّه “لا يوجد إنتصار كامل بل أنّه بعد أيّ انتصار هناك خسارة”، في اعتراف يُعدّ الأوّل له، إنّما من غير أن يعني ذلك بأنّ نقداً ذاتياً قد أقدم عليه باسيل مقابل الإعتراف بهذا “الخطأ”، أو أنّ “تصحيحاً” للأخطاء التي وقع فيها وتيّاره قد لُمست آثاره، وبأنّ دروساً وعِبر قد استخلصتها قيادة التيّار البرتقالي يمكن الإستفادة منها في المرحلة المقبلة وتلافي ما وقعت فيه.
طيلة العقدين الماضيين لم يصدر عن باسيل وتيّاره أيّ تعفّف عن المشاركة في الحكم، وتحديداً منذ عودة الجنرال عون من المنفى الباريسي بعدما أمضى فيه قرابة 15 عاماً، و”التسونامي” الذي رافق مشاركة التيّار البرتقالي في الإنتخابات النيابية عام 2005 في مواجهة التحالف الرباعي واكتساحه أغلبية مريحة للمقاعد المسيحية عامها؛ وازداد عدم تعفّف باسيل وتيّاره في المشاركة في الحكم بعد توقيع التيّار البرتقالي تفاهم مار مخايل بينه وبين حزب الله في 6 شباط من العام 2006.
طيلة الأعوام التالية إستقوى عون وباسيل وتيّارهما بـ”الإنجازين” معاً: “التسونامي” و”التفاهم”، رافعين شعارات “الأوسع” و”الأكبر” تمثيلاً في المجلس النيابي، و”الأقوى” في الشّارع المسيحي، رافضين منذ ذلك الحين تأليف أيّ حكومة إلا بشروطهم من حيث حجم التمثيل الحكومي، ونوعية الحقائب، وفرض الأسماء المشاركة، بحيث أنّ تأليف أيّ حكومة لاحقاً كان يتأخر أشهراً إلى حين نيل رضى قيادة التيّار البرتقالي.
هذا الإستقواء إمتد من المشاركة في الحكومات المتعاقبة إلى موقع رئاسة الجمهورية الذي عانى فراغين بسبب طموح الجنرال بالوصول إلى قصر بعبدا، معتبراً ذلك حقّاً مشروعاً له: الفراغ الأوّل بعد نهاية ولاية الرئيس الأسبق إميل لحّود عام 2005 إلى حين انتخاب الرئيس الأسبق ميشال سليمان عام 2008، والفراغ الثاني بعد نهاية ولاية سليمان عام 2014 إلى حين إنجاز “التسوية” التي أفضت إلى وصول الجنرال إلى سدّة الرئاسة الأولى عام 2016، وحينها ـ طيلة السّنوات الستّ التالية ـ لم يشارك التيّار البرتقالي في الحُكم فقط، إنما استأثر به واستفرد على نحو غير مسبوق.
لكن بعد انتخاب العماد جوزاف عون في 8 كانون الثاني 2025 رئيساً للجمهورية، بعد فراغ رئاسي يُعتبر الأطول في تاريخ الرئاسة الأولى، وتأليف الرئيس نوّاف سلام حكومته لاحقاً في 8 شباط الماضي، وجد باسيل وتيّاره نفسيهما للمرّة الأولى خارج جنّة الحكم، وهو خروج عدّه يوم امس إنتصاراً مقابل الخسارة التي مُني بها نتيجة مشاركته في الحُكم طيلة نحو 20 عاماً.
غير أنّه إذا كانت مشاركة التيّار البرتقالي في السّلطة على مدى العقدين الماضيين عدّها باسيل خسارة، فإنّ ذلك يُعدّ تقييماً ناقصاً بانتظار مقاربات وقراءات أخرى لهذه المشاركة، إنْ من حلفاء التيّار أو خصومه، كما يُعدّ التقييم ناقصاً إذا لم يشمل مشاركات بقية التيّارات والقوى السياسية الأخرى، وإجراء نقد ذاتي يمكن البناء عليه للإستفادة من “تجارب” المشاركة في الحكم، سلباً كانت أم إيجاباً.
موقع سفير الشمال الإلكتروني