أكثر من تناقض وقع فيه الموفد الأميركي توم برّاك، أو أنّه تعمّد إظهار هذا التناقض لغايات وأهداف غير واضحة، في اليومين اللذين رافقا زيارته الثالثة إلى لبنان من أجل بحث تنفيذ القرار الأممي 1701 وقرار وقف إطلاق النّار بين إسرائيل ولبنان الذي تمّ التوصّل إليه أواخر شهر تشرين الثاني العام الماضي، ما أثار تساؤلات حول أسباب هذا التناقض، وتفسيره، وسُبل تدارك تداعياته.
في اليوم الأوّل من زيارته أعلن برّاك صراحةً، ردّاً على سؤال، عدم قدرة واشنطن على تقديم الضّمانات التي يطلبها لبنان، قائلاً: “ليست لدينا أجوبة عن كلّ الأسئلة، ولا نستطيع إرغام إسرائيل على فعل أيّ شيء”، في إشارة إلى طلب لبنان وقف إسرائيل إعتداءاتها على لبنان التي تجاوزت 3200 خرقاً منذ التوصّل لقرار وقف إطلاق النّار، قبل البحث في أيّ أمر آخر، ما دفع صحفاً عربية ومنها صحيفة “الخليج” الإماراتية إلى التساؤل، مشكّكة بكلام برّاك: “إذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع إجبار إسرائيل على الإلتزام بالاتفاقات، فمن يستطيع؟”.
برّاك الذي جاء إلى لبنان في زيارة اعتبرت بالنسبة لكثيرين مفاجئة، أتى ليتسلم من رئيس الجمهورية جوزاف عون صيغة الردّ اللبناني على الملاحظات الأميركية حيال الورقة اللبنانية الأخيرة، وهو ردّ لم يعد خافياً أنّه تضمّن إشارات عدّة مباشرة أو غير مباشرة إلى رفض حزب الله تسليم السلاح، كما يطلب ويشترط الأميركيون وإسرائيل، وهذا الرفض أكّده بوضوح الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عشية زيارة برّاك إلى لبنان، وهو رفضٌ بات بنظر الحزب مطلقاً بعد التطوّرات الأمنية الأخيرة الخطيرة في لبنان وسورية، واعتباره السلاح أنّه بات الضامن الوحيد لحماية المقاومة وبيئتها في لبنان في ضوء غياب أيّ ضمانات جدّيّة أخرى.
يوم أمس، وهو اليوم التالي من زيارة برّاك إلى لبنان، لم يغب التناقض والتشاؤم عن مواقفه، إذ بعدما أكّد أنّ بلاده “تعمل قدماً للوصول إلى الاستقرار، والمشكلة ليست في الضمانات” كما قال، من غير أن يكشف أين هي المشكلة الفعلية، أضاف بأنّ “هناك إتفاقاً لوقف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل، والطرفان يجدان صعوبة في تطبيقه”، من دون أن يكشف أيضاً ما هي هذه الصعوبات وأين تكمن، وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة العظمى في العالم اليوم، والوسيط المطلق بين الطرفين ـ لبنان وإسرائيل ـ لا تستطيع إزالة هذه الصعوبات، فمن يستطيع إذاً، وهل كلام برّاك هذا تعبير عن فشله في مهمته تمهيدا لتنحيه، أم تهديد ضمني بأنّه إذا استمرت الصعوبات في تطبيق وقف إطلاق النّار ـ وفق الشروط الأميريكة والإسرائيلية ـ فإنّ لبنان تنتظره أيّاماً صعبة، وأنّ اعتداءات إسرائيل عليه ـ التي لم تتوقف ـ ستتخذ منحى تصعيدياً أكبر في الأيّام المقبلة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني