2025- 07 - 22   |   بحث في الموقع  
logo لا نتائج ولا ضمانات logo برّاك «يُناور» ويُدير «لعبة» تمرير الوقت؟ logo بالصور: لقاءات نقابية لبنانية مصرية.. واتفاق على لجان مشتركة وتطوير قطاع النقل logo فيديو: بعد 44 عاماً.. العداء الروسي الشاب يحقق إنجازاً تاريخياً في ألعاب القوى logo بعد غيابها وخضوعها لعملية جراحية… نجمة التنس المعروفة تعود إلى الملاعب logo جلسة حكومية لمناقشة الردّ اللبناني على الورقة الأميركية.. إليكم التفاصيل logo ترامب: مستعدون لشن ضربات متكررة على المنشآت النووية الإيرانية إذا لزم الأمر logo الرئيس عون: المرحلة دقيقة وتتطلب مواقف جامعة تصون وحدة لبنان وسيادته
غزة تموت جوعًا… والعالم يتوضأ بصمته!!.. بقلم: عماد العيسى
2025-07-22 07:55:31

غزة تُباد، وليس في ذلك أدنى مبالغة. يُقتل أهلها كل يوم بوحشية ممنهجة، لا تقتصر على القنابل والصواريخ، بل تمتد لتشمل الحصار والتجويع والتعطيش والخذلان. 


الجريمة مكتملة الأركان: قتل مباشر، وتجويع متعمّد، وصمت شامل من الجيران والأشقاء والأمة والعالم بأسره.


مشهد الدم في غزة لم يعد يهزّ أحدًا. الأطفال يُسحقون تحت الركام، الأمهات يدفنّ أبناءهن بدموع صامتة، الناس يأكلون ورق الأشجار ويشربون من مياه المجاري، بينما العالم يواصل حياته كأن غزة لا تنتمي إلى هذا الكوكب.


الخذلان يبدأ من الجيران. أولئك الأقرب جغرافياً والأبعد إنسانياً. من يملكون المعابر والحدود والقدرة على كسر الحصار لكنهم يختارون الصمت. من يملكون الدواء والطعام ولا يُدخلونه. من يسمعون صرخات الأطفال الجائعين ويغلقون الأبواب. في جغرافيا الضمير، هؤلاء ليسوا جيرانًا، بل شركاء في الجريمة. لأن من يقدر على إنقاذ روح ولا يفعل، يشارك في إزهاقها.



ثم تأتي الأنظمة العربية، التي لم يعد يحرجها أن ترى غزة تحترق وهي تعقد اتفاقيات سلام مع من يشعلون النيران. لا أحد يتوقع منها أكثر من بيانات إدانة وابتسامات باردة. سقطت كل أوراق التوت منذ زمن، وتحول الدعم السياسي للقضية إلى عبء ثقيل تتجنبه الأنظمة، حتى لو دفعت في المقابل كرامة الأمة كلها. الخزي الحقيقي ليس فقط في التطبيع، بل في الاستسلام لفكرة أن غزة وحدها، وأن نصرتها “مسؤولية الفلسطينيين فقط”.



وعلى الطرف الآخر، لا بد أن نسأل: أين العالم الإسلامي؟ أين أولئك الذين أمطرونا لعقود بخطب عن نصرة المظلوم، والجهاد في سبيل الله، والوقوف في وجه الطغيان؟ غزة تموت جوعًا، والمساجد صامتة. لا صوت لعلماء الأمة، لا تحرك من الدعاة، لا صرخة غضب ولا دعوة صريحة لكسر الحصار أو دعم المقاومة. فجأة، بات الحديث عن فلسطين محرّمًا، وكأنها لم تعد من قضايا الأمة، وكأن شهداءها لا يدخلون في حسابات الدعاء. من اعتاد الحديث عن الإسلام كدين كرامة وعدل ورفض للظلم، كيف يبرر صمته أمام أكثر المجازر توثيقًا في العصر الحديث؟ لقد خُذلت غزة ليس فقط بالسلاح، بل بالكلمة. بالصمت عن قول الحق. بالخوف من الحاكم أكثر من الخوف من الله.


أما العالم الذي يتغنّى بحقوق الإنسان، فهنا تتجلى أقبح مظاهر النفاق. ملايين البشر خرجوا من أجل قضايا عادلة في أمريكا وأوروبا وأفريقيا، لكنهم عندما تتعلق المسألة بغزة، يترددون، يتلعثمون، أو يصمتون تمامًا. لا وقفات تضامنية بحجم الحدث، لا إدانات حقيقية، لا مقاطعات، لا ضغوط سياسية، لا شيء. تُباد مدينة بالكامل، يُجَوَّع أهلها حتى الموت، ويُعامل كل ذلك كخبر عادي في زاوية بعيدة من نشرة الأخبار. هذه ليست ازدواجية معايير فقط، بل تجريد كامل من الأخلاق.



المشهد كله يقول شيئًا واحدًا: نحن نعيش في عالم لا تهمه المذابح ما دامت خارج دوائر النفوذ والمصالح. وغزة – بكل ما فيها من صمود وألم – خارج هذه الدوائر. ولذلك، فإن دماء أطفالها لا تُحرّك الجيوش، وجوع نسائها لا يُقنع الأنظمة بفتح المعابر، ودموع رجالها لا توقظ ضميرًا نائمًا.



العار لا يلتصق فقط بالقاتل، بل بكل من رأى ولم ينطق، سمع ولم يتحرك، قدر ولم يفعل. من شارك بالصمت، أجرم. ومن تواطأ بالصبر، خان. ومن جعل غزة هامشًا في وجدانه، فقدَ إنسانيته. غزة ليست فقط جرحًا فلسطينيًا، بل فضيحة أخلاقية للأمة والعالم معًا. من لم يستيقظ على بكاء أهلها، لن يسمع أحدًا حين يأتي دوره في البكاء.



هذا زمن تُمتحن فيه القيم، وتُكشَف فيه الأقنعة، وتسقط فيه الشعارات. كل من لم ينتصر لغزة، مهما كانت صفته أو مكانته، فقد سقط سقوطًا لا شرف بعده. ومن لا يفهم أن فلسطين مرآة وجودنا، فلينظر إليها جيدًا: إنها تَعرِض لنا، كل يوم، شكل هزيمتنا العميقة، وسقوطنا الأخلاقي المدوي، وتاريخًا سنخجل من قراءته أمام أبنائنا يومًا ما.

موقع سفير الشمال الإلكتروني




ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top