في زحام هذا العالم، حين تضيق الحياة بالظلم، وتتحوّل الحقيقة إلى دخان،
قد لا يبقى للإنسان سوى تأمل واحد،
واحد فقط... يجعل الصبر ممكناً، والجرح محتملاً، والغيظ خامدًا:
أن هناك يوماً، سيُعاد فيه كل شيء إلى مكانه الصحيح.
---
ألم يَحِن الأوان لنفتح أعيننا على الحقيقة؟
نعم... تلك الحقيقة الوحيدة في هذا الوجود: الموت.
ذاك الذي يخافه الجميع، يهربون منه، يرونه نهاية.
لكنه في العمق... أكثر أمانًا من حياةٍ امتلأت بالخوف والخيانة.
أقل خيبةً من عالمٍ يُكافأ فيه الظالم، ويُسحق فيه من امتلك قلبًا نقيًّا.
في ذاك العالم، هناك في البعيد،
لن يكون للمجرمين مأوى، ولا للخونة ملاذ، ولا للظالمين فرصةٌ للاختباء.
هناك، تسود شريعة أخرى، ميزانٌ لا يُخطئ، وعدالة لا تعرف الواسطة.
سيُحاسَب كلّ من آذاك، كلّ من دسَّ لك الألم في رغيفٍ، أو خانك باسم الحب.
ستأخذ حقك، لا مظاهرة ولا محكمة، بل من ربٍّ لا ينسى.
سيُشفى صدرك من كل ظلمٍ سكنك، من كل قهرٍ تقرّح في روحك.
لن يقلبوا الطاولة هناك، لن يُبدّلوا الأدوار.
لن يستطيعوا أن يتجمّلوا بالكلمات،
فالألسن ستشهد، والأيدي ستنطق،
وما من مجالٍ للكذب حين تَشهد الجباه، وتُختم الأرواح، وتُكشف السرائر.
ستُجزى، لا فقط على ما فعلت،
بل على كل ما صبرت عليه...
على كل لحظةٍ قلتَ فيها "أنا بخير" وأنت تغرق.
فلمَ التعلّق بهذه الحياة التي امتلأت بالبشر...
بشرٍ عرّفتهم الملائكة قبل أن يُخلقوا، فقالت عنهم:
"أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء؟"
كلنا من نسل القاتل، من ذرية قابيل،
فهابيل صعد إلى السماء طاهرًا،
وبقي القاتل في الأرض، يتكاثر.
أما آنَ للّعبة أن تنتهي؟
لعبة القوي الذي يسحق الضعيف،
والغنيّ الذي يحتقر الفقير،
ورجل الدين الذي يدّعي القرب من الله، وهو أقرب إلى العرش من إلى الرحمة.
وقاضٍ يتصرّف كإلهٍ صغير على كرسيّ كبير.
أما الحكومات...
فكم ادّعت حماية الشعب،
وكم حمَت في الواقع من نهب خيرات البلاد،
وكم طاردت جائعًا سرق رغيفًا ليطعم أولاده،
بينما المسؤول سرق عمرَه، وسرق رزقه، وأهداه لمن لا يستحق.
وما زالت اللعبة مستمرة...
لكن لكل حديثٍ نهاية،
ولكل ظُلمةٍ فجر.
وللحديث بقيّة...
عمر محمد علي الطرطوسي