في وقت تشخص فيه الأبصار، منذ يوم الجمعة الماضي في 13 حزيران الجاري، نحو الحرب الإيرانية ـ الإسرائيلية التي هيمنت على الملفات الأخرى في المنطقة، وتقدّمت عليها جميعها، وبات لا صوت يعلو فوق صوت دوي الإنفجارات في المدن والمناطق الإيرانية والإسرائيلية، وسط خشية تتزايد يومياً من اتساع رقعة المواجهة بين البلدين إلى دول الجوار والمنطقة، حطّ يوم أمس في بيروت المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي لمناقشة ملف النّازحين السّوريين في لبنان، في مهمة بدا وكأنّها أتت من خارج السياق.
غير أنّه إنطلاقاً من مبدأ أنّ أيّ أزمة تنتج بشكل أو بآخر حلولاً لأزمات أخرى كانت في السّابق مستعصية على الحلّ، ولو جزئياً، جاءت زيارة غراندي إلى لبنان، وهو ما أكّده بتصريحه الذي قاله بعد لقائه رئيس الحكومة نواف سلام من “إنني مدركٌ أنّني أزور لبنان في وقتٍ تتجدد فيه التوترات وعدم اليقين في المنطقة، بسبب الحرب بين إسرائيل وإيران. حتى أنني تساءلت، هل من الجيد الذهاب في هذا الوقت؟ ثم قلت: لمَ لا؟”.
والحقيقة أنّه منذ سقوط النّظام السّابق في سوريا أواخر العام الماضي، وُضعت عودة النّازحين السّوريين في لبنان إلى بلادهم على نار حامية، وبدأ كثيرون ينادون بضرورة هذه العودة بهدف تخفيف عبء وجود أكثر من مليوني نازح سوري عن لبنان.
تدريجياً بدأت هذه العودة وبشكل طوعي، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر خلال أشهر الصّيف الجاري، خصوصاً بعد التسهيلات التي قدّمها الأمن العام اللبناني للنّازحين في العودة، ومنها إلغاء الغرامات المترتبة على المخالفين لشروط الإقامة والعمل في لبنان، ما جعل الكثير من العائلات السورية تعود إلى بلادها أو تستعد لهذه العودة في الأشهر القليلة المقبلة.
لكنّ أسباباً أخرى ومختلفة دفعت الكثير من النّازحين السّوريين بالعودة إلى بلادها، من أبرزها ما يلي:
أولاً: توقف المساعدات التي كانت تقدّمها لهم في لبنان منظمات دولية بعد سقوط النظام في سوريا، مثل مساعدات التعليم والصحّة وبدلات الإيجار والمحروقات وغيرها الأمر الذي اعتبره كثيرون بمثابة سقوط حوافز بقاء النّازحين السّوريين في لبنان، على أن تُقدم لهم هذه المساعدات في بلادهم.
ثانياً: إقفال مدارس تعليم السّوريين في لبنان بعد توقف الدعم لها، وعدم السّماح لأيّ طالب سوري التسجيل في المدارس الرسمية أو الخاصّة في لبنان إلا بعد حيازته على إقامة، وبما أنّ الأمن العام توقف عن إعطاء الإقامات للنازحين السّوريين، وتوقف أيضاً عن تجديد الإقامات للعائلات (نساء وأطفال) والإبقاء فقط على تجديد إقامات العمّال، وجد النّازحون السّوريون أنفسهم مجبرين على العودة إلى بلدهم من أجل متابعة أبنائهم تعليمهم في المدارس السورية، برغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بقطاع التعليم في سورية خلال سنوات الحرب.
ثالثاً: وجود مناطق آمنة واسعة في سورية تسمح بهذه العودة، برغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بمختلف القطاعات في سوريا خلال الحرب، والدمار الواسع فيها، ما وضع الجميع أمام تحديّات عديدة، خصوصاّ على صعيد إعادة إعمار البنى التحتية في سوريا وبقية القطاعات، في بلد وصفه غراندي من بيروت أمس بأنّه “بلدٌ مُنهك”.
The post لبنان والنّازحين السّوريين.. أسباب كثيرة للعودة!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .