في ظل التصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل، تتزايد المخاوف من تداعيات هذا الصراع على الاقتصاد العالمي، خصوصاً عبر الممرات البحرية الحيوية التي تشكل شريان الحياة للتجارة الدولية وأمن الطاقة.
يتجاوز هذا النزاع كونه مجرد مواجهة عسكرية ليصبح صراعاً استراتيجياً ذا أبعاد اقتصادية وجيوسياسية عميقة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح الدول الكبرى واستقرار الأسواق العالمية.
ـ أهمية مضيق هرمز في التجارة العالمية وأمن الطاقة..
يُعد مضيق هرمز من أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمر عبره حوالي 26-30% من تجارة النفط العالمية، بما يعادل نحو 16.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات، بالإضافة إلى أكثر من 20% من صادرات الغاز الطبيعي المسال.
هذا المضيق الضيق بين الخليج العربي وخليج عمان يشكل نقطة عبور حيوية للدول الخليجية المنتجة للنفط مثل السعودية والإمارات والكويت، والتي تعتمد على المضيق لتصدير نحو 90% من إنتاجها النفطي.
بالإضافة إلى النفط، يمر عبر مضيق هرمز جزء مهم من التجارة العالمية للسلع الأساسية والحاويات، ما يجعل استقراره أمراً حيوياً ليس فقط للمنطقة، بل للاقتصاد العالمي بأسره، خصوصاً للدول الآسيوية التي تعتمد على واردات الطاقة من الخليج.
ـ التطورات الأخيرة وتصعيد التوترات..
شهدت الأشهر الأخيرة تصعيداً ملحوظاً في الهجمات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، حيث استهدفت طائرات مسيرة وصواريخ إسرائيلية مواقع حساسة في إيران، ما أدى إلى مقتل عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين.
رد إيران جاء عبر تهديدات متكررة بإغلاق مضيق هرمز أو تعطيل الملاحة البحرية، بالإضافة إلى دعمها للمتمردين الحوثيين في اليمن الذين شنوا هجمات على السفن في البحر الأحمر، مما يوسع دائرة التوتر إلى ممرات بحرية أخرى حيوية.
رغم هذه التهديدات، لم تغلق إيران المضيق فعلياً حتى الآن، نظراً لتأثير ذلك السلبي على صادراتها النفطية، لكنها تستخدم هذه الورقة كورقة ضغط سياسية واستراتيجية في مواجهة إسرائيل وحلفائها.
ـ التداعيات الاقتصادية المحتملة للصراع..
أي اضطراب في مضيق هرمز سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً، نظراً لاعتماد الأسواق العالمية الكبير على هذه الممرات البحرية. ارتفاع أسعار الطاقة سيؤثر سلباً على الاقتصادات الكبرى، خصوصاً في آسيا وأوروبا، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة التضخم.
من جهة أخرى، شركات الشحن العالمية بدأت تعيد تقييم مساراتها البحرية لتجنب مناطق التوتر، ما قد يؤدي إلى تعطيل حركة التجارة وارتفاع تكاليف الشحن. تعطيل الممرات البحرية الحيوية سيؤدي أيضا إلى اختناقات في سلاسل التوريد العالمية، مما يهدد استقرار الأسواق المالية ويزيد من مخاطر الأزمات الاقتصادية.
ـ الأبعاد الجيوسياسية للصراع..
تسعى إيران من خلال تهديدها للممرات البحرية إلى تعزيز ورقة الضغط في مواجهة إسرائيل والغرب، حيث تمثل السيطرة على مضيق هرمز أداة استراتيجية تؤثر على أمن الطاقة العالمي. بالمقابل، تحاول إسرائيل تقويض القدرات الإيرانية النووية والعسكرية عبر ضرباتها المباشرة، مما يرفع من احتمالات تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية أوسع تشمل البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
هذا التصعيد يعقد المشهد الأمني في منطقة الشرق الأوسط، ويهدد بتأجيج نزاعات إقليمية قد تمتد لتشمل دولاً أخرى، مما يزيد من تعقيد التجارة العالمية ويهدد استقرار أسواق الطاقة.
ـ السيناريوهات المستقبلية والتوصيات..
في ظل هذه التطورات، هناك عدة سيناريوهات محتملة:
أولا: تصعيد عسكري شامل: يؤدي إلى إغلاق الممرات البحرية الحيوية وتعطيل التجارة العالمية، مع تداعيات اقتصادية خطيرة.
ثانيا: حرب بالوكالة: استمرار الصراع عبر وكلاء إيران في اليمن وسوريا، مع تهديد مستمر للممرات البحرية.
ثالثا: تسوية سياسية: قد تؤدي إلى تهدئة التوترات وتأمين الملاحة البحرية.
الصراع بين إيران وإسرائيل يتجاوز أبعاده العسكرية ليشكل تهديداً مباشراً لأمن الطاقة والتجارة العالمية عبر الممرات البحرية الحيوية. مراقبة التطورات عن كثب والتفاعل السريع مع أي تصعيد هو السبيل الوحيد للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي ومنع أزمة قد تكون كارثية على الجميع.
موقع سفير الشمال الإلكتروني