2025- 06 - 06   |   بحث في الموقع  
logo التثقيف السياسي في العصر الرقمي!.. بقلم: ليلى شحود تيشوري logo من “”.. أضحى مبارك.. logo “الأضحى” و “الضاحية”.. شاهدان على عدوانية إسرائيل!.. غسان ريفي logo سلام دان الاعتداءات الاسرائيلية: انتهاك صارخ للسيادة اللبنانية وللقرار 1701 logo بالفيديو: الغارات تهز عين قانا.. ومراكز إيواء تفتح أبوابها لسكان الضاحية logo بري: لن يحول العدوان بيننا وبين أعيادنا logo ليلة عصيبة على الضاحية.. قصف عنيف والدولة تستنكر logo الرئيس عون يدين الاعتداء الإسرائيليّ: هو ما لن يرضخ له لبنان أبدًا
طرابلس كمدينة مستحيلة.. مقاربة سوسيو- سياسية في بنية الإهمال والتشويه الممنهج!.. بقلم: د. كلود عطية
2025-06-04 07:56:04

في خضم النقاش اللبناني حول السلطة والتمثيل، تبرز طرابلس كواحدة من أكثر الحقول المدينية التباسًا. فهذه المدينة، التي يُفترض أنها ثاني كبرى الحواضر اللبنانية، تتبدى في المخيال الجمعي المحلي والمركزي ككيان هامشي، ملتبس، معلق بين أطياف التاريخ وحمولات الجغرافيا، لا هي في صلب الدولة ولا هي خارجها. وهي بذلك لا تُعامَل بوصفها فضاءً مدينيًا فاعلًا، بل كحالة رمزية يُعاد إنتاجها بوظائف شتى.


المفارقة ليست في أن طرابلس مُهملة – فالعديد من المناطق اللبنانية ترزح تحت إهمال مماثل – بل في أنها مُهملة بطريقة ممنهجة ومعقّدة، تجعل من استبعادها عن مسارات القرار مشروطًا بإعادة إنتاجها كـ”ضحية مزمنة”. والضحية هنا ليست مفهومًا أخلاقيًا، بل أداة سوسيولوجية تُستخدم لتفسير دينامية التهميش حين تصبح بنية قائمة لا مجرد ظرف طارئ.


أزمة التمثيل كأداة وظيفية


ما جرى في الانتخابات البلدية الأخيرة ليس مجرد “إخفاق ديمقراطي” أو “سوء تنظيم”، بل يُفهم في سياقه الأعم كمؤشر على خلل بنيوي في نمط التمثيل المحلي. فغياب التنوع الفعلي عن لائحة الفائزين، وضعف المشاركة النوعية، وتراجع مستوى الخطاب، كلها ليست نتائج عرضية بل تمظهُرات لسياسة إدارة محلية تُمارَس وفق مبدأ “احتواء من دون تمكين”.


وبالعودة إلى أنماط المشاركة السياسية المدينية، يتضح أن طرابلس لا تُدار كمدينة بل كـ”وحدة أمنية اجتماعية”، تُضبط أكثر مما تُبنى، وتُراقب أكثر مما تُنمّى. وهو ما يتقاطع مع مفهوم “المدينة المُدارة” في الأدبيات المدينية المعاصرة، حيث يُستعاض عن البناء الحضري التشاركي بالإدارة التقنية -السياسية الضيقة، فتتحول السلطة المحلية إلى أداة ضبط لا رافعة تمثيل.


الاقتصاد السياسي للحرمان: قراءة ما بعد كلاسيكية


اقتصاديًا، تُدرج طرابلس غالبًا في لوائح “الأكثر فقرًا”، لكن هذه التصنيفات تبقى قاصرة ما لم تُقرأ في إطار الاقتصاد السياسي للحرمان. فالفقر هنا ليس مجرد حالة عوز بل نتيجة تراكب ممنهج بين سياسات مركزية غير عادلة وتهميش بنيوي للمدينة ككل. تمّ تعطيل مرفئها، إقصاء مكوناتها الريادية، وتحويلها إلى حقل لتجريب شبكات المساعدات والمنظمات غير الحكومية بدل إدماجها في دورة إنتاج وطنية حقيقية.


بهذا المعنى، طرابلس لا تعاني فقط من غياب الاستثمار، بل من تصميم ممنهج للفقر كأداة تحكّم: كلما ازداد العوز، سهلت الإدارة، وكلما تفككت الطبقة الوسطى، تعطّل النبض المديني، وسُحب من المدينة شرطها الحضري الأساسي: التماسك الذاتي.


التشويه الرمزي كإنتاج معرفي للسلطة


أما على المستوى الرمزي، فإن طرابلس لم تُشوّه صدفة، بل جرى تركيب صورة عنها تُعيد إنتاجها في المتخيل العام كمنطقة “هشة”، “عنيفة”، “غير مستقرة”، وهو ما يمنح صانع القرار شرعية إضافية لإقصائها أو تجاهلها. هذا النمط من التشويه يلتقي مع أطروحات ميشال فوكو حول العلاقة بين السلطة والمعرفة، حيث لا يُكتفى بالهيمنة المادية، بل يُنتَج خطاب معرفي يُبرر الإهمال ويُطبع العجز.


إن التصوير الإعلامي المتكرر للمدينة كمركز للاضطراب لا يرتبط بالوقائع بقدر ما يعكس بنية معرفية قائمة على تأطير الهامش كمصدر خطر محتمل، وليس كموقع مقاومة أو فرصة بديلة.


نحو تأويل بديل: المدينة كإمكان مستقبلي


أمام هذه البنية المعقدة من الإقصاء والتشويه، لا تكفي المقاربات الإصلاحية السطحية، ولا تكفي المطالبات الحقوقية المتكررة. المطلوب هو تفكيك البنية العميقة التي تحوّل طرابلس من فضاء مديني إلى حقل رمزي للتهميش. وهذا لا يبدأ من السياسة بل من إعادة بناء المعنى: من إنتاج خطاب مضاد، من تمكين الفاعلين المحليين، من الاعتراف بطرابلس كمدينة لا كمجرد مساحة جغرافية.


طرابلس لا تحتاج إلى إنقاذ، بل إلى تفكيك بنية الظلم المركبة التي تُملى عليها. ولا يمكن للمدينة أن تتحول إلى ذاتها الحقيقية إلا حين تُفهم ليس فقط في سياقها اللبناني الضيق، بل في سياق أوسع لمدن “ما بعد المركزية” في العالم العربي – المدن التي تقاوم أن تكون مجرد هوامش.

موقع سفير الشمال الإلكتروني






ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top