تشهد الساحة اللبنانية هذا الأسبوع حراكاً دبلوماسياً لافتاً مع زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمس، تليها زيارة مرتقبة للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الأسبوع المقبل.
تتزامن هاتان الزيارتان مع استمرار المفاوضات الأميركية – الإيرانية برعاية سلطنة عمان، ما يمنحهما أبعاداً ورسائل تتجاوز الإطار الثنائي التقليدي، وتضع لبنان مجدداً في قلب الاستقطاب الإقليمي والدولي.
رغم أن الهدف المعلن لزيارة عراقجي هو حضور حفل توقيع كتابه، إلا أن مصادر رسمية لبنانية أكدت أن الزيارة تحمل أبعاداً سياسية واضحة، خصوصاً أن الوزير الإيراني طلب بنفسه ترتيب لقاءات مع الرؤساء الثلاثة، إضافة إلى قيادة “حزب الله” وربما قادة الفصائل الفلسطينية الحليفة لطهران. وتأتي الزيارة في ظل تعثر المفاوضات الأميركية – الإيرانية وارتفاع منسوب التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، ما يجعل من بيروت منصة لإرسال رسائل سياسية في أكثر من اتجاه.
تسعى إيران من خلال هذه الزيارة إلى:
ـ إثبات استمرار نفوذها في لبنان، رغم الضغوط الدولية والخسائر التي تكبدها “حزب الله” في السنوات الأخيرة.
ـ بحث ملف سلاح “حزب الله” والفصائل الفلسطينية، في ظل قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ملف ساخن على طاولة المفاوضات الداخلية والخارجية.
ـ إيصال رسالة بأن طهران تراقب عن كثب التغيرات في السياسة اللبنانية، خاصة بعد قرار لبنان العودة إلى الحضن العربي والتشدد في تنفيذ القرارات الدولية مثل القرار 1701.
ـ محاولة التأثير على موقف “حزب الله” ودفعه نحو المزيد من الليونة في ملف السلاح، تحسباً لأي اتفاق دولي قد يفرض وقائع جديدة في لبنان والمنطقة.
من جهة ثانية، تأتي زيارة مورغان أورتاغوس التي قد تكون الأخيرة لها قبل انتقالها إلى موقع آخر في الإدارة الأميركية، في توقيت حساس للغاية، ومن المتوقع أن تحمل في جعبتها رسائل شديدة اللهجة للحكومة اللبنانية، خصوصاً في ما يتعلق بملف سلاح “حزب الله” وتجديد ولاية قوات اليونيفيل.
تركز الرسائل الأميركية على:
ـ ربط ملف إعادة الإعمار والمساعدات الدولية للبنان بحسم مسألة السلاح غير الشرعي، وهو ما قد ينعكس على الوضع الاقتصادي والموسم السياحي المنتظر.
ـ التشديد على ضرورة التزام لبنان بالقرارات الدولية، وخاصة القرار 1701، وعدم السماح باستمرار الخروقات الإسرائيلية أو تصعيد “حزب الله”.
ـ التأكيد على أن مستقبل الدعم الدولي للبنان مرتبط بمدى قدرة الحكومة على فرض سيادتها وحصرية السلاح بيد الدولة.
تضع هاتان الزيارتان لبنان في قلب دائرة التجاذب الإيراني – الأميركي المباشر، حيث يرى مراقبون أن مسار المفاوضات بين واشنطن وطهران سينعكس بشكل حتمي على الداخل اللبناني: فإذا حصل اتفاق، قد تتهيأ بيئة إقليمية ودولية أكثر استقراراً للبنان، أما في حال التعثر، فقد تزداد الضغوط والتوترات، مع احتمال انعكاسها سلباً على الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
خلاصة الرسائل والدلالات
إيران تسعى لتثبيت نفوذها والدفاع عن حلفائها في لبنان، مع محاولة إبقاء ورقة “حزب الله” ضمن حساباتها التفاوضية مع الغرب.
الولايات المتحدة تضغط لحسم ملف السلاح غير الشرعي، وتربط أي دعم مستقبلي للبنان بمدى التزامه بالقرارات الدولية والسيادة الوطنية.
الحكومة اللبنانية تجد نفسها أمام اختبار حقيقي بين ضغوط الخارج وتوازنات الداخل، خاصة مع بدء تنفيذ قرار نزع السلاح الفلسطيني في المخيمات منتصف الشهر الجاري.
مصير لبنان في المرحلة المقبلة سيكون مرهوناً بنتائج المفاوضات الأميركية -الإيرانية، التي ستحدد طبيعة الاستقرار أو التصعيد في المنطقة.
بهذا المعنى، تشكل زيارتا عراقجي وأورتاغوس مؤشراً واضحاً على أن لبنان سيبقى ساحة اختبار رئيسية لأي تسوية أو مواجهة إقليمية قادمة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني