ما إن انتهت الإنتخابات البلديّة والإختيارية يوم السّبت الماضي بعدما طُويت صفحة المرحلة الرابعة والأخيرة التي جرت في محافظتي الجنوب والنبطية، حتى تسارعت التحليلات التي حاولت قراءة نتائج هذه الإنتخابات من الزاوية السياسية من جهة، ومن جهة أخرى مدى انسحاب نتائج الإنتخابات المحلية على الإنتخابات النيابية التي ينتظر أن تجري في شهر أيّار من العام المقبل.
وترافقت هذه التحليلات مع مواقف القوى السياسية كافة التي حاولت استغلال اي فوز حققته في اي بلدية او على مستوى مختار أي حي او حارة من اجل تصوير نفسها على انها حققت نجاحا في هذا المجال من شأنه أن يعزز من موقعها في الاستحقاق النيابي المقبل، ومقدمة في المقابل تبريرات كثيرة حيال أيّ فشل مُنيت به أو نجاح لم تستطع تحقيقه لأسباب مختلفة.
لكنّ إسقاط نتائج الإنتخابات البلديّة والإختيارية على الإنتخابات النيابية وتصوير بعض القوى السياسية والمحللين أنّها مقدمة لها وسيشهد الإستحقاق المقبل نتائج مماثلة، اعتبر بنظر كثيرين أمر غير دقيق وتنقصه الحجج المنطقية والواقعية، نظراً للإختلافات بين الإستحقاقين البلدي والنيابي، شكلاً ومضموناً.
ولعلّ أبرز هذه الإختلافات أنّ قانون الإنتخابات البلديّة قائم على نظام الإقتراع الأكثري بينما قانون الإنتخابات النيابية قائم على نظام الإقتراع النسبي والصوت التفضيلي، وهو اختلاف جوهري يجعل أيّ مقارنة بين الإستحقاقين البلدي والنّيابي غير واقعية.
يُضاف إلى ذلك أنّ التحالفات السّياسية في الإنتخابات البلديّة لا يمكنها أن تنسحب على الإستحقاق النيابي بسبب الإختلاف بين قانوني الإنتخابات البلديّة والنيابية، حيث أنّ أيّ تحالف بين الأقوياء في الإنتخابات البلدية من شأنه أن يُؤمّن الفوز بنسبة كبيرة في أيّ منافسة، بينما في الإنتخابات النيابية فإنّ الأقوياء لا مصلحة لهم البتّة في التحالف، لأنّ الحليف في الإنتخابات النيابية ـ وفق القانون ـ هو خصم يُهدّد حظوظ رفاقه في اللائحة بالفوز، وليس حليفاً.
غير أنّ نتائج الإنتخابات البلديّة كشفت بالمقابل عن واقع القوى السّياسية في معظم المناطق، وأظهرت مدى حضور أو ضعف هذه القوى، ونقاط قوتها ونقاط ضعفها، وهي ملاحظات يمكن أخذها بعين الإعتبار ـ بلا شكّ ـ في مقاربة الإستحقاق النيابي المقبل، ومقدمة ضرورية له بشكل أو بآخر.
شيعياً، أثبتت الإنتخابات البلديّة أنّها كنت بمثابة إستفتاء على مدى شعبية الثنائي حزب الله وحركة أمل في بيئتهما، ونجحا في ذلك. ودرزياً رسّخ الحزب التقدمي الإشتراكي أقدامه في الشّارع الدرزي وتصدّره له.
أمّا مسيحياً فقد خرجت الإنتخابات البلدية بنتائج أرضت جميع القوى السياسية الرئيسية، التيّار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وتيّار المردة وشخصيات، من غير أن تلغي الإنتخابات المحلية أيّ طرف، أو تجعل أيّ فريق يكتسح الشّارع المسيحي ويتفرّد به كما كان يأمل.
أمّا سنّياً فما يزال الإرباك سيّد السّاحة منذ عزوف تيّار المستقبل وزعيمه الرئيس سعد الحريري عن خوض الإنتخابات النيابية عام 2022، برغم محاولات خجولة من قبل مناصرين أرادوا من خلالها إثبات أنّ التيّار الأزرق ما يزال حاضراً برغم تداعيات العزوف، وسيعود للعمل السياسي عند أوّل فرصة، وتحديداً في انتخابات العام المقبل كما أكد أكثر من طرف مقرّب من الحريري.
غير أنّ الإنتخابات المحليّة كشفت عن حضور وازن لجمعية المشاريع الإسلامية الخيرية خصوصاً في انتخابات بيروت، ما جعلها القوّة السنّية الأبرز التي استطاعت تأمين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في بلدية العاصمة إلى جانب الثنائي الشيعي، إضافة إلى حضور هام للجماعة الإسلامية وشخصيات سنّية أثبتت حضورها في بيئاتها السنّية، وحققت نتائج لافتة، لكنّ الصورة تبقى ناقصة بانتظار أن يحسم تيّار المستقبل أمره إذا ما كان سيخوض إستحقاق 2026 أم لا، والامر ذاته ينطبق على الرئيس نجيب ميقاتي وآخرين، وهو إنتظار لا يبدو أنّ أمره سيكون محسوماً قبل مطلع العام المقبل على أقل تقدير.
موقع سفير الشمال الإلكتروني