2025- 05 - 23   |   بحث في الموقع  
logo قُتل برصاص عمّه.. والسبب غامض! logo أوربان: خطط الاتحاد الأوروبي لتمويل الجيش الأوكراني تهدد أوروبا logo ميقاتي في برقية تهنئة إلى البابا لاوون الرابع عشر: إنتخابكم يلقى صدى عميقاً لدى اللبنانيين logo تعميم لرئيس بلدية طرابلس.. هذا ما جاء فيه logo المحادثات الإيرانية – الأميركية في روما تبدأ الساعة 11,00 بتوقيت غرينتش logo تصعيد «اسرائيلي» يسبق الانتخابات البلدية جنوباً logo اتصالات بين بعبدا وحزب الله logo الجنوب ينتخب غداً ويتحدّى الترهيب
مأزق الشرعية في النظام السياسي الفلسطيني.. حالة محمود عباس نموذجًا!.. بقلم: عماد العيسى
2025-05-23 05:55:41

منذ انتخابه رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية في يناير 2005، ظل محمود عباس في سدة الحكم لما يقرب من عقدين من الزمن، دون تجديد انتخابي يُعزز شرعيته أو يمنحه تفويضًا شعبيًا جديدًا. وقد أدّى هذا الواقع إلى طرح تساؤلات مركزية حول بنية النظام السياسي الفلسطيني، وحدود الشرعية، واستدامة المؤسسات تحت ضغط الجمود والانقسام السياسي.


لقد تحوّلت القيادة الفلسطينية إلى نموذج لحالة الجمود السلطوي، حيث تستمر النخبة الحاكمة في ممارسة السلطة دون تفويض مستمر، وهو ما يتعارض جوهريًا مع أبسط مبادئ الحكم الديمقراطي. في السياق الفلسطيني، هذا الجمود يتجاوز مجرد غياب الانتخابات، ليعبّر عن فقدان القدرة على تجديد العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم.


أزمة الشرعية السياسية:


إن إحدى ركائز الحكم الديمقراطي هي شرعية التمثيل السياسي، والتي تُبنى على انتخابات حرة ونزيهة تُجدد التعاقد بين الشعب والحاكم. غير أن غياب الانتخابات منذ عام 2006 على المستوى التشريعي، ومنذ 2005 على المستوى الرئاسي، أدى إلى تآكل تدريجي للشرعية السياسية والمؤسسية. الشرعية لا تُستمد فقط من الأداء، بل أيضًا من المصدر، والمصدر هنا غائب، ما يضعف قدرة النظام السياسي على تمثيل شعبه أمام العالم.


اللافت أن هذا الغياب لم يكن ناتجًا عن ظرف عابر، بل أصبح سياسة مستمرة قائمة على تعطيل الحياة السياسية، والتذرع بالانقسام الداخلي، دون تقديم مسار بديل يعيد إنتاج النظام على أسس ديمقراطية.


أثر ذلك على النظام السياسي:


يُشكّل استمرار محمود عباس في الحكم نموذجًا لـلشخصنة السياسية التي تُعطّل نشوء مؤسسات حقيقية مستقلة. ففي ظل غياب تداول السلطة، يتمركز القرار في دائرة ضيقة، وتُهمّش النخب الجديدة، وتضمر مؤسسات الرقابة، ويتراجع دور الفصائل، وتفقد المعارضة شرعيتها أيضًا نتيجة تجميد العمل البرلماني.


هذا التركّز الشديد في السلطة، دون أدوات فعالة للمساءلة، أدّى إلى اتساع الشكوك حول الشفافية، ومكافحة الفساد، والإدارة الرشيدة. وهو ما أدّى بدوره إلى تصاعد اللامبالاة الشعبية، وهبوط معدلات الثقة في النظام السياسي، وظهور مشاعر الإحباط واللاجدوى لدى قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني، لا سيما الشباب.


التمثيل الدولي والضعف الاستراتيجي:


تُعدّ الشرعية الداخلية شرطًا ضروريًا للشرعية الدولية. وفي الحالة الفلسطينية، حيث لا تزال القضية محورًا للنقاشات العالمية، فإن ضعف التفويض الشعبي يُقوّض من قدرة القيادة على التفاوض، أو حتى تقديم نفسها بوصفها ممثلًا حقيقيًا للإرادة الفلسطينية. فكيف يُمكن لمجتمع دولي أن يتعامل مع قيادة لم تُنتخب منذ قرابة عشرين عامًا؟ وكيف يمكن طرح مشروع سياسي فلسطيني موحّد في ظل أزمة تمثيل عميقة كهذه؟


بل إن هذا الوضع أعطى الذريعة للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية لتجاوز السلطة الفلسطينية، والتعامل مع قوى أخرى كأمر واقع، ما أدى إلى تشظي التمثيل الفلسطيني، وإضعاف وحدة القرار الوطني.


غياب الأفق:


ربما تكمن الخطورة الكبرى في أن هذا المشهد لا يحمل أي مؤشرات جدية للتغيير. فرغم المطالبات الداخلية والدولية بإجراء انتخابات، لا تزال السلطة تُراهن على إدارة الوقت، وتكرار الحديث عن “الظروف غير المناسبة”، دون وضع خطة حقيقية تعيد الاعتبار للمسار الديمقراطي.


وفي ظل هذا الغياب للأفق، تزداد هشاشة النظام السياسي، وتُراكم الأزمات، ما يهدد بالوصول إلى مرحلة الانهيار المعنوي والمؤسسي.


نحو عقد اجتماعي جديد:


إن الخروج من هذا المأزق لا يمكن أن يتم إلا عبر إعادة بناء الشرعية من الأساس، من خلال انتخابات حرة تُشارك فيها كل القوى السياسية، وتضمن إعادة تجديد المؤسسات، وفتح المجال أمام نخب جديدة، وتكريس ثقافة التعددية وتداول السلطة.


كما أن التحول لا بد أن يكون جزءًا من رؤية وطنية شاملة تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وكرامة شعب، وليس فقط كصراع على السلطة.


فالفلسطينيون اليوم لا يحتاجون إلى مجرد قيادة، بل إلى نظام سياسي شرعي، تمثيلي، وفعّال، قادر على إعادة بناء الثقة، وتحقيق الحد الأدنى من التوافق، والانطلاق نحو استراتيجية تحريرية حقيقية.


اخيرأ، إن استمرار القيادة الحالية دون شرعية انتخابية فعلية يُشكّل خطرًا استراتيجيًا على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، ويُضعف من مناعة النظام السياسي، ويزيد من اغتراب الناس عن مؤسساتهم. وفي غياب الإصلاح الجذري، فإن النظام قد يتحوّل من أداة مقاومة وبناء، إلى عبء ثقيل على تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة والاستقلال.

موقع سفير الشمال الإلكتروني






ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top