طوت الإنتخابات البلديّة والإختيارية جولتها الثالثة أمس في محافظات بيروت والبقاع وبعلبك ـ الهرمل، بانتظار أن تطوي صفحتها الرابعة والأخيرة يوم السّبت المقبل حيث ستجري الإنتخابات المحلية في محافظتي الجنوب والنبطية.
تحليلات وقراءات كثيرة قيلت في الإستحقاق البلدي والإختياري منذ الجولة الأولى في محافظة جبل لبنان في 4 أيّار الجاري، وحتى قبل ذلك الموعد، وهي تحليلات وقراءات ستتوالى في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد الجولة الرابعة، وسط تباينٌ واسع يوضح الخلفيات المتعدّدة لمآلات المشهد البلدي والإختياري على الصعيد العام.
ويمكن إختصار هذه القراءات والتحليلات بنقاط كثيرة، من أبرزها ما يلي:
أولاً: برغم التشكيك بإمكانية إجراء الإنتخابات في مواعيدها المحدّدة، فإنّ مجرّد إجراء هذه الإنتخابات يعتبر إنجازاً للعهد في مستهلّه، لأنّه اعتبر الإلتزام بالمواعيد الدستورية لأي استحقاق إنتخابي دفعة معنوية له يمكن البناء عليها في السّنوات التالية.
ثانياً: كشفت الإنتخابات المحليّة الحاجة الملحّة إلى قانون جديد وعصري للإستحقاق البلدي، بعدما أظهر القانون الحالي الذي خيضت على أساسه آخر خمس إنتخابات ما بعد الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، ومنها الإنتخابات الأخيرة، عيوباً كثيرة في متن القانون ومضمونه وفي تطبيقه والنتائج التي تسفر عنها الإنتخابات. وإذا كانت إنتخابات بلدية بيروت التي جرت يوم أمس، والخوف من الإطاحة بمبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين فيها، شكّلت دافعاً لدى البعض لطرح أفكار جديدة حول قانون الإنتخابات البلدية، ودعت إلى تطويره وإدخال تعديلات ما عليه، فإنّ ما شهدته هذه الإنتخابات من ثغرات وبنود مضى عليها الزمن ألزم الطبقة السياسية والقوى المعنية كافّة البدء بطرح قانون جديد للإنتخابات البلدية، بدءاً من اليوم، وعدم تأخير ذلك وإهماله حتّى الأيّام الأخيرة التي ستسبق إستحقاق 2031.
ثالثاً: بدا لافتاً أنّ نسبة المشاركة في المدن، خصوصاً بيروت وطرابلس، كان متدنيّاً جدّاً، حيث لم يتجاوز نسبة 21 بالمئة في بيروت و26 بالمئة في طرابلس، مقارنة بما لا يقلّ عن الضّعف في المناطق الريفية أو ذات الكثافة السّكّانية الأقل، ما دفع رئيس الحكومة نوّاف سلام أمس إلى التعبير عن عدم رضاه عن نسبة الإقتراع في العاصمة، ودعوته أبنائها للإقبال على الصناديق. ولا شكّ أنّ هذه النسبة المتدنية ستترك تداعيات واسعة على المجلس البلدي في بيروت وطرابلس معاً، وستطرح أسئلة متشعبة حول أسباب عزوف أبناء المدن عن المشاركة في استحقاقات تعنيهم مباشرة.
رابعاً: طرح بعض المرشّحين برامج لهم جديرة بالإهتمام، لكنّ أغلبها كان فضفاضاً وغير واقعي، ولا ينسجم مع واقع البلديات، وأنّها أسيرة بيروقراطية ومركزية شديدة تكبّلها وتمنعها من العمل، ما يعني أنّ برامج هؤلاء المرشحين إمّا أنّها “أحلام يقظة” لن ترى النّور، أو أنّ من يطرحونها ليسوا على اطلاع على واقع العمل البلدي، ولا واقع البلديات التي تعاني من إفلاس وعجز كبيرين بسبب الأزمة المالية.
خامساً: برغم أنّ الأحزاب والقوى السّياسية سعت منذ البداية لتجيير نتائج الإنتخابات لمصلحتها، لتظهر نفسها بأنّها في موقع المنتصر، فإنّ الواقع يشير إلى أنّ العائلات تقدمت على الأحزاب والقوى السياسية بأشواط في هذه الإنتخابات، وأنّ الأخيرة تلطّت وراء العائلات لإثبات ذاتها، ما يعني ليس أنّ العائلات أثبتت نفسها ـ في الأغلب ـ على أنّها القوة الرئيسية والفاعلة في الإنتخابات المحلية، وبأنّ المجتمع قبلي وعشائري، بل أنّ الأحزاب والتيّارات السياسية تعاني من أزمات عديدة دفعتها من أجل تحقيق مصالحها للتعاون مع العائلات سواء برغبة منها أو عدم رغبة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني