2025- 05 - 09   |   بحث في الموقع  
logo المرأة اللبنانية بين تحديات الاستقرار الزوجي وموروثات المجتمع.. رحلة نحو الشراكة الحقيقية!.. الكاتبة: د. فاطمة الموسوي logo هل يكون ستيف ويتكوف صانع الحلول الاميركية؟.. بقلم: العميد منذر الايوبي logo الرشوة الانتخابية في لبنان.. وجه خفي للديمقراطية المغشوشة!.. سمية موسى logo ساعات بلديّة حافلة قبل فتح صناديق الإقتراع شمالاً!.. عبدالكافي الصمد logo الطلاق في لبنان.. أزمة مؤسسة أم وعي نسائي متجدد؟.. بقلم: د. روبى الحاج logo علي جوهر.. للفيحاء logo باسيل: ‏كل التهاني للمسيحيين الكاثوليك بانتخاب البابا logo توضيح من القوات اللبنانية حول الانتخابات في أنفه 
الطلاق في لبنان.. أزمة مؤسسة أم وعي نسائي متجدد؟.. بقلم: د. روبى الحاج
2025-05-09 02:26:06

في العقدين الأخيرين، شهد المجتمع اللبناني تحولات بنيوية عميقة مست بُنية الأسرة وأعادت تشكيل منظومة العلاقات الزوجية. وسط هذه التحولات، برزت ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق، التي غالباً ما يتم تناولها كعلامة على تفكك القيم الأسرية أو أزمة اجتماعية متنامية. إلا أن هذه المقاربة التقليدية تغفل بعداً أساسياً يستحق الوقوف عنده: الطلاق، في حالات كثيرة، لم يعد مجرد مظهر لفشل العلاقة الزوجية، بل أصبح خياراً واعياً، تتخذه المرأة في سياقات اجتماعية واقتصادية وثقافية متغيرة، تعكس تحوّلاً في موقعها داخل البنية الاجتماعية.


إن تحليل ظاهرة الطلاق في لبنان لا يمكن أن يُختزل في أرقام أو أحكام أخلاقية مسبقة، بل يستدعي قراءة متعددة الأبعاد، تدمج بين النظريات السوسيولوجية، والتحليل النوعي لتجارب النساء، وفهم أعمق للأنماط الجديدة للعلاقات الحميمة. من هنا، تطرح هذه الدراسة إشكالية مركزية مفادها: هل يمثل تزايد حالات الطلاق في المجتمع اللبناني دلالة على أزمة بنيوية، أم أنه يكشف عن تطور في وعي المرأة وموقعها، ويعكس قدرتها المتزايدة على مقاومة الأنماط السلطوية داخل المؤسسة الزوجية؟


هذا المقال يسعى إلى تفكيك هذا السؤال عبر مقاربة سوسيولوجية تدمج بين النظرية والميدان، وتُبرز كيف أن الطلاق، بوصفه قراراً، قد يكون تعبيراً عن تمكين المرأة لا عن تفككها.


التحوّلات الاجتماعية وتبدّل مفهوم الزواج


لطالما كان الزواج في لبنان محكوماً بمنظومة ثقافية ودينية معقّدة، تقوم على مفهوم “الرباط المقدّس” الذي لا يجوز المساس به، حتى حين يتآكل من الداخل. ومع ذلك، تشهد العقود الأخيرة تحوّلاً جذرياً في مقاربات الأفراد للعلاقة الزوجية، بفعل التغيرات الاقتصادية، والتعليمية، والرقمية، وكذلك صعود الفردانية في المجتمعات العربية عامة واللبنانية بشكل خاص.


لم يعد الزواج، كما كان، مؤسسة دائمة تُبنى على التضحية من طرف واحد، بل أصبح خياراً قابلًا للمراجعة، خاصة عندما تُصبح استمراريته مرادفاً للتعاسة أو للظلم المقنّن. في هذا السياق، يطرح علماء الاجتماع مثل أنتوني غيدنز مفهوم “الحميمية الخالصة”، حيث تقوم العلاقة على التفاهم والتكافؤ، لا على الأدوار التقليدية المفروضة. وفي الحالة اللبنانية، فإن الشرخ بين هذا النموذج الجديد والمنظومة التقليدية التي تتحكم بقوانين الأحوال الشخصية، يجعل من قرار الطلاق لحظة تصادمية بامتياز.


الطلاق كأداة مقاومة نسائية


ما يبدو “انهياراً” في الشكل، قد يكون في الجوهر نهوضاً. فالنساء في لبنان لا يخترن الطلاق عبثاً، بل غالباً بعد مسار طويل من المساومة والصبر والتردد، بسبب كلفة القرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية. غير أن هناك وعياً متنامياً عند كثير من النساء اليوم، يدفعهن إلى إعادة تعريف ذواتهن خارج “الهوية الزوجية”، وممارسة وكالة (agency) فعّالة ضد أنظمة القمع الناعمة، سواء تمثّلت في الزوج أو في المجتمع أو حتى في العائلة.


في ظل غياب قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، ووجود قضاء ديني غالباً ما يكرّس عدم المساواة بين الزوجين، تصبح المرأة التي تختار الطلاق في لبنان، في كثير من الحالات، في موقع المواجهة لا الضحية. إنها تقاوم حين تقرر الرحيل. تقاوم حين ترفع صوتها. تقاوم حين ترفض الانصياع.


إعادة فهم الظاهرة: هل الطلاق مشكلة؟


من السهل وصف الطلاق بالمشكلة، لكن السهل لا يعني بالضرورة الصحيح. قد تكون المشكلة الحقيقية في استمرار زواج هشّ قائم على الصمت والخوف والتبعية، لا في تفككه. نحن بحاجة إلى خطاب جديد ينظر إلى الطلاق لا بوصفه مؤشراً لفشل العلاقات، بل كبوابة محتملة إلى إعادة بناء الذات وإعادة تموضع المرأة في الحياة الاجتماعية، كفاعل مستقل لا تابع.


وفي المقابل، لا يمكن إغفال أثر الضغوط الاقتصادية، وغياب الدعم المؤسساتي (قانونياً ونفسياً) للمطلّقات، ما يجعل من بعض حالات الطلاق مأساوية فعلاً. لكن التعميم خطأ تحليلي. فليس كل طلاق “هروباً”، بل قد يكون “تحرّراً”.


خاتمة: الطلاق كتحوّل لا كنكسة


في مجتمع يُعلّق قيمة المرأة على قدرتها على “الاحتفاظ بزوج”، ويقيس نجاح العلاقة ببقائها لا بجودتها، يصبح الطلاق كسرًا لتلك المعادلة الخادعة. هنا، لا يعود الانفصال نهاية، بل ممارسة سياسية واجتماعية لحقّ تقرير المصير. فالمرأة التي تختار المغادرة لا تفعل ذلك لأنها فشلت، بل لأنها رفضت الاستمرار في علاقة غير عادلة، وغير متكافئة، وغير آمنة أحيانًا.


إن قرار المرأة بإنهاء زواج في لبنان لا يأتي بمعزل عن شبكة واسعة من الضغوط: من سلطة العائلة، إلى أعراف المجتمع، إلى خطاب ديني محافظ، وصولًا إلى نظام أبوي قانوني وثقافي متجذّر. هي لا تواجه شخصًا فقط، بل تواجه نظامًا متكاملاً صُمم لحماية التراتبية الذكورية واستدامة الهيمنة الرمزية على النساء. ومع ذلك، تتقدّم كثير من النساء، متحدّيات الخوف، كاسرات لجدار الصمت، ورافضات لأن يكنّ ضحايا لموروث لا يعترف بحقوقهن الأساسية في الكرامة والاختيار.


في هذا السياق، يصبح الطلاق فعلًا تحرّريًا لا شخصيًا فقط، بل بنيويًا. هو صراع ضد سرديات قديمة تمجّد الصبر الأنثوي كفضيلة، وتُدين قرار الانفصال كخطيئة. الطلاق هنا ليس فشلًا، بل بداية لتحرر يفتح أفقًا للعدالة الفردية والاجتماعية.


فلنُعد النظر في “وصمة الطلاق”، ولنجعل منها علامة على الجرأة، على الوعي، وعلى الإيمان بأن الكرامة لا تُقايض. لأن المرأة التي ترحل ليست مكسورة، بل منكسرة الجدران التي كانت تحاصرها.

موقع سفير الشمال الإلكتروني





ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top