تحوّلت شوارع طرابلس، المدينة التي تعاني من أزمات متتالية في الكهرباء، والماء، والنفايات، والبنية التحتية، إلى معرض مفتوح لصور المرشحين لرئاسة البلدية.
في مشهد سوريالي يثير السخرية أكثر مما يوقظ الأمل، تتكدّس آلاف الصور على الجدران، الأعمدة، الأشجار، وحتى فوق حاويات القمامة، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بالغزو البصري الفوضوي المدفوع بالمال، لا بالفكرة أو البرنامج.
مدينة تتفتّت يومًا بعد يوم، وشوارعها التي يفترض أن تكون مسرحًا للحلول، أصبحت واجهة استعراض انتخابي قبيح، يضع وجوهًا مألوفة – أو مجهولة – على بقايا إسفلت محفور.
أينما تولّي وجهك، تطلّ عليك ابتسامات مصطنعة من كل زاوية، وجوه معظمها بلا سجل، بلا تاريخ، بلا أثر، لكنها فجأة أصبحت “قادة المرحلة” و”منقذي المدينة”، وكأن الذاكرة الجمعية للناس أصيبت بفقدان تام، وكأن طرابلس ليست المدينة نفسها التي أُنهكت على أيدي هؤلاء أنفسهم أو من يشبهونهم.
ورغم هذا الطوفان من الصور، لا أثر لأي برنامج انتخابي حقيقي. لا خطط واضحة، لا جداول زمنية، لا أرقام دقيقة، لا تصور مالي، ولا حتى نية جدّية لإصلاح أي ملف أساسي.
كل ما يظهر هو شعارات فضفاضة مكرّرة منذ عقود: “العدالة”، “الكرامة”، “الإنقاذ”، وكأن المدينة تعاني من أزمة لغوية لا من كارثة بنيوية.
الحقيقة أن طرابلس غارقة حتى الأذنين في ملفات مسكوت عنها: البنية التحتية المنهارة، النفايات المتراكمة، البطالة الخانقة، النزوح غير المنظّم، والفساد الإداري المتجذّر في قلب البلدية.
المرشحون يتعاملون مع الانتخابات كأنها مسابقة شعبية أو حفلة علاقات عامة، لا مسؤولية إدارية ولا منصب رقابي. يكتفون بابتسامة مُتكلّفة ويافطة بحجم شارعين، متجاهلين أن المواطن الطرابلسي لم يعد يُخدع بسهولة. فما يريده هذا المواطن اليوم ليس وعودًا جديدة، ولا “بروباغندا” موسمية، بل من يملك الجرأة لوضع إصبعه على الجرح، ومن يمتلك الخطة، والأدوات، والإرادة لتنفيذها. يريد من يحترم معاناته، لا من يستخدمها كدرج للصعود.
وما يزيد المشهد سوءًا، وربما وقاحة، أن بعض المرشحين – القدامى والجدد على حد سواء – لم يكتفوا بتلويث المدينة بصورهم، بل بدأوا يلوّثون ما تبقّى من العملية الانتخابية نفسها. الرشوة صارت علنية. يُعرض على المواطن كل شيء: أموال نقدية، وعود بوظائف لا وجود لها، مساعدات غذائية مغلفة بشعار المرشح، تعبئة بنزين، تسديد فواتير كهرباء وماء، وحتى تسهيل إصدار هويات، وكأن الصوت الانتخابي أصبح عملة متداولة في سوق سياسي.
The post طرابلس مدينة تبحث عن بلدية… وتغرق في ابتسامات مزيفة!.. صبحية دريعي appeared first on .