في “إثنين الفصح”، غيّب الموت رأس الكنيسة الكاثوليكية، البابا فرنسيس، عن ثمانية وثمانين عاماً، بعد ان “كرّس حياته لخدمة الرب وكنيسته” بحسب بيان الفاتيكان، الذي اعلن الحداد لتسعة أيام وفق ما ينص عليه الدستور.
فمن هو البابا فرنسيس، وما هي ابرز إنجازات فترته البابوية؟
هو خورخي ماريو برجوليو، ابن الارجنتين الذي اصبح البابا الـ٢٦٦ للكنيسة الكاثوليكية ليكون أول بابا ينتخب من خارج القارة الأوروبية منذ عهد البابا غريغوري الثالث، وأول راهب يصير سيداً للفاتيكان بعد البابا غريغوري السادس عشر.
انتخب حبراً اعظماً بتاريخ ١٣ آذار ٢٠١٣، في احد اقصر المجامع المغلقة في تاريخ الكنيسة، وذلك عقب استقالة البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر، ليكون اول بابا “يسوعي” يترأس الكنيسة الكاثوليكية. وقد جرى تنصيبه في قداس احتفالي في ساحة القديس بطرس يوم ١٩ آذار من العام نفسه.
وقد حرص البابا المنتخب على اختيار اسم لم يستخدمه أي من اسلافه، فكان اسم “فرنسيس” تيمناً بالقديس فرنسيس الاسيزي وتكريماً للقديس فرنسيس كسفاريوس احد مؤسسي الرهبنة اليسوعية التي انتمى اليها البابا الراحل. وفي احدى الاحاطات الصحفية لفت البابا الى انه اختار اسم القديس فرنسيس الذي عرف بدفاعه عن الفقراء لانه يريد “كنيسة فقيرة وتدافع عن الفقراء”.
الى ذلك، وطوال فترة حبريته التي دامت اثني عشر سنة، سجل البابا فرنسيس إنجازات على مختلف الأصعدة.
وانطلاقاً من ايمانه بضرورة ان تكون الكنيسة مثالاً يحتذى به في النزاهة والشفافية، عمل على اصلاح الكوريا الرومانية او ما يعرف بالإدارة المركزية للفاتيكان، مطلقاً حملة إصلاحات من اجل محاربة الفساد المالي تضمنت اقالة عدد من المسؤولين الكنسيين بسبب اعمال مشبوهة ارتكبوها.
وفي سياق متصل، اصدر البابا “اعلان الانجيل” وهو دستور رسولي أعاد هيكلة الكوريا الرومانية وفتح عددا من مناصبها امام النساء، كما عمل على تعديل بعض القوانين الكنسية والتخفيف من صرامتها لا سيما تلك المتعلقة بالزواج والطلاق.
هذا وشغلت القضايا البيئية والاجتماعية والأخلاقية حيزاً كبيراً في مسيرة البابا فرنسيس الحبرية وقد دأب على العدوة الى التعامل مع المهاجرين واللاجئين في مختلف دول العالم بكرامة وإنسانية. ولاجل الحث على دعم الفقراء ووقف تهميشهم اعلن عن “اليوم العالمي للفقراء”.
توازياً، اصدر البابا فرنسيس في ٢٤ أيار من العام ٢٠١٥، رسالة عامة تناولت قضايا البيئة والتغير المناخي تحت عنوان “كن مسبّحاً”. وسنة ٢٠٢٠ شدد على أهمية الالتفات الى قضايا الاخوة والعدالة الاجتماعية من خلال الرسالة العامة “كلنا إخوة”.
من جهة أخرى، لم تغب دول الشرق الاوسط عن بال الحبر الأعظم ولا عن صلاته، فكانت فلسطين الحاضر الدائم، حتى انه في ظهوره الأخير على المؤمنين في احد الفصح المجيد اول من امس، ندد خلال الرسالة التي وجهها “بالوضع المأساوي والمخجل في قطاع غزة”.
اما الانجاز الاهم الذي يسجل للحبر الاعظم الراحل فهو العمل على التقارب بين الاديان وتعزيز الحوار بين مختلف الاطراف، ولهذه الغاية وقّع مع شيخ الازهر الامام الاكبر احمد الطيب، وثيقة “الاخوة والانسانية” في ابو ظبي في ٤ شباط ٢٠١٩، في مشهدية شكلت دعوة للتآخي بين جميع الناس على اختلاف اديانهم. وللغاية عينها، التقى البابا فرنسيس، خلال زيارته الى العراق، في آذار ٢٠٢١ المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني.
وفي اطار سعيه الى توحيد الطوائف المسيحية، التقى البابا الراحل بالبطريرك كيريل، بطريرك موسكو وسائر روسيا في كوبا سنة ٢٠١٦، في لقاء وصف بالتاريخي كونه الاول منذ الانشقاق الكبير الذي اصاب الكنيسة سنة ١٠٥٤.
اذاًِ، يودع العالم بعد ايام شخصية استثنائية عرفت بدبلوماسيتها وحبها للخير والسلام. هو بابا الاخوة والانسانية، فرنسي، القديس الذي عاش على صورة الله ومثالهن مؤمنا بحب الخير ونبذ الرذيلة. وبإنتظار ان يتصاعد الدخان الابيض من حاضرة الفاتيكان معلناً انتخاب حبر اعظم جديد، نرفع الصلاة على نية ان يعم السلام العالم اجمع.
موقع سفير الشمال الإلكتروني