في الثاني من آب/أغسطس 2025، تسربت أنباء عن قيام الإدارة الأمريكية باستبدال الموفد الخاص لشؤون لبنان، توم باراك، بنظيرته السابقة ذات الحضور الصدامي مورغان أورتاغوس.
هذا التغيير، غير المنتظر، يأتي وسط تصاعد المخاوف الأمنية على خلفية تهديدات إسرائيلية متزايدة، واقتراب موعد تجديد ولاية قوات اليونيفيل، وتفاقم الأوضاع الداخلية اللبنانية.
تبدو عودة أورتاغوس لحمل ملف لبنان أكثر من مجرد حركة إدارية، بل رسالة سياسية حادة وتجديد لنهج الضغط على لبنان والمنطقة.
دلالات إعادة تكليف مورغان أورتاجوس
عودة أورتاغوس كشخصية معروفة بصرامتها تجاه حزب الله ومؤسسات الدولة، تعني أن واشنطن قررت التخلي عن سياسة التهدئة التي طبع بها باراك فترة تكليفه القصيرة.
باراك اعتمد على مقاربة توافقية ركزت على دعم الجيش اللبناني وتحفيز القوى السياسية لإنجاز إصلاحات اقتصادية، بينما تمثل أورتاغوس نهجاً أشد جذرياً عبر ربط أي دعم للداخل اللبناني بنزع سلاح حزب الله وتوسيع مهام اليونيفيل نحو الحدود السورية.
الملامح السياسية والدبلوماسية:
تشدد أميركي: الإدارات المقربة من ترامب تفضّل التصعيد، خاصة في ظل تصاعد نفوذ الجمهوريين وميلهم لعدم منح أي تنازلات لمحور إيران – حزب الله.
رسالة إلى تل أبيب: عودة أورتاغوس تعتبر انتصاراً لإسرائيل التي طالما اشتكت من تردد باراك تجاه الحسم في ملف سلاح حزب الله، وترى أن وجود أورتاغوس يضمن استمرار الضغط والغطاء الأميركي لأي عمل عسكري في لبنان.
توقيت حساس: القرار يأتي قبيل أسابيع قليلة من التجديد الحرج لولاية اليونيفيل، في سياق تصعيد إسرائيلي على الحدود وإخفاق الحوار اللبناني –الأميركي في تحقيق تقدم جوهري.
خلفية الأزمة والتحولات الأخيرة
شهد لبنان تغيّرات محورية في العام والنصف الماضي، أبرزها انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وخسارة حزب الله لأغلبيته النيابية، وتنامي النزعات السيادية داخل مؤسسات الدولة. غير أن الأمل في استقرار داخلي اصطدم بتجدد العدوان الإسرائيلي، وانهيار البنية التحتية، وفشل باريس وواشنطن في فرض خارطة طريق لانتزاع سلاح “المقاومة” دون ضمانات جدية من إسرائيل.
أسرار الملف اللبناني خلف الكواليس
تكشفت خلال الأسابيع الأخيرة معطيات خاصة من دوائر القرار الأميركي – تسرّبت إلى الإعلام الغربي والعربي – أبرزها:
ـ خلافات داخل الإدارة الأميركية: جرى صراع شرس بين جماعة البيت الأبيض بقيادة ستيف ويتكوف، ودعاة الانفتاح على دمشق وبعض شخصيات وزارة الخارجية، حول أولوية الحسم العسكري أم التفاوض غير المباشر مع إيران عبر وسطاء خليجيين.
ـ توتر بين أورتاغوس وقيادة الجيش اللبناني: سجلت لقاءات متوترة بين أورتاغوس وقائد الجيش رودولف هيكل؛ حيث أصرت أورتاغوس على موقف حازم من قضية انتشار الجيش في الجنوب وتفكيك بؤر تواجد حزب الله، ولم تتردد في انتقاد مسؤولين لبنانيين، ووجهت انتقادات لاذعة لسياسيين بارزين بينهم وليد جنبلاط، وهو ما تسبب في إحراج حلفاء السفارة الأميركية في بيروت.
ـ القنوات السرية مع أطراف أمنية: كشفت تقارير غربية عن وجود تنسيق أمني غير معلن بين مستشارين أميركيين وشبكة ضباط لبنانيين في الجيش والاستخبارات لمعرفة مدى استعداد المؤسسة العسكرية لتولي مهام الأمن في المناطق الجنوبية بعد أي تطور عسكري أو سياسي.
ـ ضغوط أميركية سعودية مشتركة: أبلغت واشنطن، عبر أورتاغوس، المسؤولين في بيروت برسالة واضحة: أي محاولة للتسويف في ملف السلاح ستواجه بعقوبات مالية جديدة على قادة سياسيين وتجميد للمساعدات، مع التشديد على ضرورة تناغم الحكومة اللبنانية مع شروط المملكة العربية السعودية في ملف الإصلاح وتدفق الاستثمارات الخارجية.
ـ معنى تعيين أورتاغوس في ظل الأخطار الأمنية والقرارات الدولية:
عودة أورتاغوس بموازاة التحشيد الإسرائيلي يمثل رسالة مفادها أن واشنطن تدعم بقوة العملية العسكرية الإسرائيلية المحتملة، ولن تتنازل عن بند نزع سلاح حزب الله كشرط لأي هدنة أو دعم حكومي اقتصادي.
نجاح أو فشل مهمة أورتاغوس سيرتبط بمدى قدرة القوى اللبنانية على اقتناص فرصة تفاوضية جديدة تتلاءم مع ضغوط التجديد لليونيفيل وتوسيع صلاحياتها.
سيناريوهات واستحقاقات المرحلة المقبلة
التصعيد الأمني: في حال تشدّد أورتاغوس وتهديدها بوقف الدعم المالي، قد يدفع حزب الله والجيش اللبناني نحو مواجهة مفتوحة مع إسرائيل أو انقسام داخلي حاد.
حافة التسوية: تسعى واشنطن لتثبيت نموذج جديد في لبنان شبيه بما حصل في العراق – تجفيف مصادر التمويل والتسلح عن طريق القوانين المالية وضبط الحدود، مقابل حوافز اقتصادية لإنعاش النظام المصرفي.
دور اليونيفيل: التصويت المرتقب في مجلس الأمن على التمديد لليونيفيل نهاية الشهر الجاري، يمثل اختباراً حاسماً لقدرة المجتمع الدولي على فرض قراراته من جهة، وحجم استعداد الجيش اللبناني لمواكبة المتغيرات من جهة أخرى.
يمثل قرار إعادة مورغان أورتاغوس إلى ملف لبنان – وفي هذا التوقيت العصيب – خطوة سياسية بامتياز تحمل تهديدات مباشرة ووعود مشروطة. سيترقب الداخل اللبناني: هل ستنتهج أورتاغوس ما يُعرف عنها من قسوة دبلوماسية؟ أم أن الضغوط الدولية ستفرض تغييراً حقيقياً يصب في مصلحة إعادة بناء الدولة ومؤسساتها؟ الإجابات ستتضح مع الأسابيع المقبلة، حيث كل الأطراف على حافة الهاوية… والخيارات تضيق أمام لبنان بين واقع الصراع وأمل التسوية.
موقع سفير الشمال الإلكتروني