2024- 06 - 16   |   بحث في الموقع  
logo نتنياهو يعترف بـ"حرب صعبة جداً" بعد عمليتين نوعيتين لـ"القسام" logo الاضحى يشهد على حرب تجويع غزة..والاعشاب البرية ترجىء الوفيات logo هوكشتاين لتحذير اسرائيل والتعويل على عقلانية حزب الله logo بهاء الحريري مهنئاً الرياضي: كل التوفيق! logo "تفحّموا داخل حافلة"... 9 قتلى في اليمن! (فيديو) logo قتيلٌ جديدٌ في صفوف الجيش الاسرائيلي! logo بمناسبة العيد... فيديو "من القلب" لـحزب الله! logo "كُرة الحرب في ملعب إسرائيل"... السيد يوضِح!
"فيزيا وعسل" وظاهرة المسرح في بيروت
2024-05-23 13:25:47

لم أتحمس سابقاً لمشاهدة مسرحياتها، فقط بسبب عناوينها على مثال "حكي نسوان"، ثم "حكي رجال". فهكذا عناوين تشي (ولو اعتباطياً) أني لست المستهدف لأكون من جمهورها. مع ذلك، كان لدي فكرة بسيطة ومؤكدة عن المخرجة لينا خوري، بأنها "مجتهدة" وتحاول مسرحاً جدياً من جهة، ومتصالحاً مع الجمهور العريض من جهة أخرى. وهذا -للعلم- من أصعب المعادلات في المسرح المعاصر.تأتي مسرحيتها الجديدة "فيزيا وعسل" في خضم ظاهرة تستحق تفكّراً ونقاشاً وانتباهاً خاصاً. ظاهرة هذا "الانفجار" في الإنتاج المسرحي الغزير، وتوالي الأعمال المدهشة والمثيرة للإعجاب. بل يمكن التحدث عن "بومينغ" في المسرح اللبناني لم نشهد مثيلاً له من قبل. والأهم هو التعطش غير المسبوق من قبل الجمهور والإقبال الكثيف على أي مسرحية تعرض في بيروت راهناً.
هذا -ويا للمفارقة- ما تسبب بـ"أزمة" أماكن عرض ومحدودية الخشبات المتوفرة. المسرحيون يضطرون يومياً للتفاوض مع إدارات المسارح لحجز أيام عرض، وبعضهم اضطر إلى الذهاب نحو المسارح الجامعية لتقديم أعماله. وبالتوازي، نشب تنافس صحي واستثنائي على شباك التذاكر، نادراً ما كان المسرحيون يحلمون بحدوثه.
ثم أن عمر المسرحية بات يقاس بالأشهر، وبعضها بالسنوات، بعدما كان أفضل العروض يدوم لعدة أسابيع وحسب. بمعنى آخر، ورغم كل وسائل الترفيه وتكنولوجيات التسلية والفرجة واللهو، هنا في بيروت ثمة إخلاص جماهيري كبير وشغف متجدد وواسع بالمسرح، يوحي على الأقل أن هناك مجتمعاً في المدينة يعلن عن حاجته العميقة لفضاء تعبيري-فني أبعد بكثير من مجرد الفرجة والتسلية. وهذا بالضبط الدور الكلاسيكي للمسرح منذ الزمن الإغريقي، أن يكون المنصة الخطيرة للسجال الاجتماعي السياسي.تقول لينا خوري عن دوافع عملها "فيزيا وعسل": "ثيمة حرية الخيار والقدر تملكتني خصوصاً بعد الأزمات العنيفة المتتالية التي عصفت بنا منذ 2019. هل فعلاً كنا قادرين على تغيير الطبقة الحاكمة؟ هل كانت بالفعل ثورة؟ هل نحن كشعب مسؤولون عن المصير الذي نعيشه الآن؟ هل كان قراري البقاء في البلد أفضل لي؟".
أسئلة خوري الشخصية، أو حيرتها التي تضمر إعلان الهزيمة أمام القدر المشؤوم الذي أطاح بالإرادة، هي عينها الأسئلة التي يستفيق اللبنانيون وينامون عليها. هي الأرق اليومي المدوّخ الذي يمرضنا ويغضبنا ويحطمنا بلا كلل منذ سنوات.ليست "فيزيا وعسل" عملاً يتلفّظ هذه الأسئلة ولا يخوض السياسة بلغتها المباشرة. نحن أمام نص عن قصة حب تخضع في الوقت عينه لنظرية الأكوان الموازية، الاحتمالات اللامتناهية لمسارات القدر وتبعات أي قرار أو صدفة أو حدث أو تعبير قد ينتج عنه تحول في المصير.
مع ذلك، إنسانيتنا أعقد كثيراً من الحقائق الفيزيائية الكمومية. ذاك التوق العارم للحرية، أخلاقياً وسياسياً وجسدياً، وللحب ومعجزاته، يمنحنا "معنى الوجود" الذي يتخطى المعطى الفيزيائي.
بهكذا خطاب ثقافي وفني، تقول خوري عبر مسرحها التعبير السياسي المكثّف، أي إعادة الاعتبار للكائن الفرد الإنساني، ولرغباته وأحلامه، ولقيمة الحرية والإرادة.ذاك المساء، في شارع الحمرا، الذي مشيته كله ذهاباً وإياباً كمن يزور أطلالاً وخرائب، كمن يشاهد "الحمرا" في كون مواز وأبوكاليبسي، في عاصمة "تآمر" مسرحيون مخضرمون لمنع عرض مسرحية وجدي معوض.. شاهدت "فيزيا وعسل" بامتنان لهذه الأناقة التقنية والإخراجية، لجمالية السينوغرافيا المتقنة. شاهدت بكل تقدير ريتا حايك وآلان سعادة وهما كوتر مشدود إلى آخر عصب في لعبتهما التمثيلية الصعبة واللاهثة. وفوق هذا، كان انتباهي للمسرح الممتلئ حتى آخر كرسي بجمهور يحترف النظر والإنصات ويحترم كل لحظة ذكية.
جمهور لمجتمع بتنا قادرين على تعيينه بوصفه "آخر مقاومة" للكارثة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top