2024- 05 - 11   |   بحث في الموقع  
logo تفاصيل “المطاردة الجوية” في سماء الجنوب.. معطيات تكشف ما جرى logo ماذا سيجري في السفارة الأميركية بعد أيام؟ logo أقوى عاصفة شمسية منذ 2003..ومخاوف من انقطاع الاتصالات logo "يوروفيجن": استبعاد هولندي يحصر فرص الفوز بين كرواتي وإسرائيلية logo سفير بنغلادش زار مركز “ايليت” وبحث في تعزيز التعاون logo “الحزب” يستهدف مواقع إسرائيليّة logo كرامي: لمقاربة أزمة النزوح وطنياً لا طائفياً logo زاخاروفا: أوكرانيا حولت نفسها إلى دولة منبوذة ذاتياً
القمح السوري..نحو خسارة استراتيجية
2024-04-28 08:55:42


مجدداً، ينشغل الوسط الاقتصادي في سوريا بسعر شراء القمح المحدد من حكومة النظام في دمشق، وبمدى عدالة هذا السعر بالنسبة للفلاحين، وتأثيره على مستقبل زراعة هذا المحصول الاستراتيجي. وهو انشغال موسمي، يتكرر فيه النقاش ذاته، والمواقف ذاتها، والصراعات ذاتها، أيضاً. فالإدارة الذاتية "الكردية" في شمال شرق سوريا، تعهدت بشراء كامل محصول القمح والقطن للموسم الحالي، مع وعدٍ بسعر "مجزٍ"، مُنتَظر. ومن المرتقب –كالعادة- أن تُصدر "الإدارة" سعراً أعلى من السعر المحدّد من حكومة دمشق، لتخسر الأخيرة في لعبة لمّ أكبر قدر ممكن من قمح السوريين، كما حصل في المواسم السابقة.
وتجدد النقاش حول هذه القضية إثر إصدار حكومة النظام تسعيرة شراء كيلو القمح، قبل أيام، محددةً إياها بـ 5500 ليرة (36 سنتاً أمريكياً وفق سعر صرف السوق السوداء). وكالعادة، ارتفعت أصوات الفلاحين وبعض ممثليهم، معترضين على التسعيرة بوصفها غير عادلة. وتجددت تحذيرات خبراء عبر وسائل إعلام موالية، أن ذلك سيؤدي إلى عزوف المزيد من الفلاحين عن زراعة القمح، والاتجاه لزراعة محاصيل أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، كالكمّون واليانسون والحُمّص.
فهل حددت حكومة دمشق، بالفعل، سعراً غير عادل للفلاح؟ قبل الإجابة، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة رفعت سعر شراء كيلو القمح 1300 ليرة، مقارنة بالسعر التأشيري الذي حددته في 19 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، (4200 ليرة للكيلو). أي بنسبة 31%. وهي زيادة مجزية بمعيار سعر الصرف. إذ ارتفع الدولار نحو 7.14%، بين تاريخ صدور السعر التأشيري، وتاريخ صدور السعر النهائي –قبل أيام-. وهي زيادة مجزية مقارنة بارتفاع تكاليف معيشة الأسرة السورية، التي ازدادت خلال ستة أشهر، بنحو 31%، وفق المؤشر الصادر عن موقع "قاسيون" التابع لحزب الإرادة الشعبية، والذي يقوده قدري جميل، النائب الأسبق لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، والمقرّب من موسكو.
وبالمقارنة مع سعر القمح الروسي. فإن وسطي سعر الطن، نحو 215 دولاراً، وبإضافة 15 دولاراً، وسطي تكلفة شحن الطن، تصبح تكلفة الطن الواحد نحو 230 دولاراً، أي أن الكيلو بنحو 23 سنتاً أمريكياً، أي ما يعادل 3450 ليرة سورية. أي أقل بنحو 2000 ليرة، مقارنة بسعر شراء الكيلوغرام المحدد من جانب الحكومة بدمشق. أي أن السعر المحدد من جانب الحكومة عادل للغاية، بالنسبة للفلاح السوري، وفق معيار السعر العالمي. وهو ما يقودنا إلى نتيجة، سبق وأن أشرنا إليها في هذه الزاوية، قبل نحو عام، بأن القمح السوري أغلى من السعر العالمي.
ويتضح السبب في ذلك، إن اعتمدنا مؤشر تكاليف الإنتاج. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، نقلت وسائل إعلام موالية عن فلاحين أن تكلفة زراعة الدونم الواحد من القمح تتجاوز الـ 1.5 مليون ليرة. ومع فارق تضخم لا يقل عن 30% خلال الأشهر الخمسة الفائتة، يصبح وسطي تكلفة زراعة دونم واحد من القمح، نحو 2 مليون ليرة. وبوسطي إنتاج 350 كيلوغراماً من القمح لكل دونم، تصبح تكلفة إنتاج الكيلو الواحد، نحو 5700 ليرة. أي أعلى من السعر المحدد لشراء الكيلو الواحد من جانب الحكومة (5500 ليرة). وبالتالي، فإن الفلاح خاسر وفق سعر الشراء الرسمي.
التقديرات السابقة، قد لا تكون دقيقة تماماً، لكنها تقريبية. وتوضح سبب تذمر الفلاحين. وتؤشر إلى المعضلة الرئيسية التي تواجه الاقتصاد السوري، في اللحظة الراهنة. فقد تراجع التأثير السلبي للقدرة الشرائية المتدنية للسوريين، إلى المرتبة الثانية، في قائمة معضلات هذا الاقتصاد، لتتربع مكانها، تكاليف الإنتاج المرتفعة، والتي تجعل جميع المنتجات السورية أغلى من نظيراتها في الدول المجاورة، أو حتى في أسواق عالمية. وهي النتيجة التي حذّر منها خبراءٌ على مدار السنوات الخمس الأخيرة، جراء التقليص المتسارع للدعم الحكومي، خاصة مادة المحروقات.
وهي نتيجةٌ تتضح في كل السلع والمنتجات تقريباً. وقبل أيام، قررت حكومة النظام فرض "ضميمة" –ضريبة- على السكر المُستورد، لإنقاذ صناعة السكر المحلية، بعد أن أصبح المُنتَج المحلي من هذه المادة، أغلى من الأجنبي. فكان "الحل" وفق الحكومة، اللجوء لسياسة حمائية. وهي سياسة انتقائية –حتى الآن-، إذ لا تشمل كل المُنتجات المحلية. لكن ماذا لو تم تعميمها؟ النتيجة ستكون تكاسل المُنتِج المحلي عن رفع جودة إنتاجه، مما سيؤدي الى تحريض اقتصاد التهريب على الانتعاش، أكثر فأكثر.
هل من حلول متاحة لدى الحكومة؟ يبدو الحل الأمثل، في دعم الفلاحين مجدداً. وهو خيار يُعاكس الاتجاه الراهن لسياسة الحكومة، التي تقولها للجميع بالفم الملآن: الدعم أرهق الميزانية، ولا قدرة على الاستمرار في ذلك.
أما بالنسبة لمن زرعوا القمح لهذا الموسم. فسينقسمون إلى ثلاث فئات. أولى، من مُنتجي القمح البعلي، وهؤلاء سيجدون تسعيرة الحكومة مُجزية بالنسبة لهم، لأنهم لا ينفقون تكاليف سقاية وتسميد. وفئة ثانية، ستتمكن من بيع محصولها ل"الإدارة الذاتية" في "شرق الفرات"، والتي على الأغلب، ستقدّم سعراً مجزياً –بنسبة كبيرة- للفلاحين. وفئة ثالثة، ليسوا من مُنتجي القمح البعلي، ولا يتيح موقعهم الجغرافي إلا مُشتري قمح وحيد، هو "مؤسسة الحبوب" الحكومية. هذه الفئة الثالثة، سيخرج جزء كبير منها، من قائمة مُنتجي القمح، خلال الموسم التالي. إما باتجاه زراعة محاصيل أخرى، أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، أو باتجاه ترك مهنة الزراعة برمتها.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top