"أسبوع غزاوي": كوميديا طافية على سطح الحصار
2023-12-09 13:30:43
في فيلمه القصير "السلام لك يا مريم"، الذي رُشّح لجائزة الأوسكار في دورة العام 2016، يضعنا المخرج الفلسطيني البريطاني، باسل خليل، أمام المفارقات الكوميدية للقاءات غير المتوقعة والمحملة بتواريخ طويلة من الصراع. تتعطل سيارة أسرة من المستوطنين اليهود المتدينين بالقرب من دير، في موقع ناء في الضفة الغربية، وحينها يجدون أنفسهم مضطرين لطلب المساعدة من الراهبات من أجل استكمال طريقهم. مرة أخرى، يوظف خليل في فيلمه الطويل الأول، "أسبوع غزاوي" (2023) التيمة نفسها، وإن كانت خطوط حبكتها الرئيسية أكثر عبثية.يفتتح الفيلم بتنويه يشير إلى أن الفيلم بدأ كمحادثة قبل 11 عاماً من كوفيد. حادث في أحد معامل معهد أبحاث الميكروبيولوجي الإسرائيلي، يقود إلى انتشار فيروس قاتل بشكل وبائي. وبغية السيطرة على المرض، تعلن الأمم المتحدة حظراً شاملاً على إسرائيل. بخبطة واحدة، تنقلب الأدوار على ناحيتي الحدود، ففي مقابل إسرائيل المعزولة والمحاصرة، تصبح غزة المكان الأكثر أماناً في العالم، وذلك بفضل الحصار المفروض عليها لأكثر من عقد ونصف.وعلى تلك الخلفيات يضطر الصحافي الإنكليزي مايكل، وحبيبته الإسرائيلية كيرين، إلى القبول بخطة يائسة لمغادرة إسرائيل عبر الأنفاق إلى غزة، ومن ثم التوجه عبر الحدود إلى مصر. في الجهة الأخرى في غزة، يقوم عماد وصديقه وحيد، باستغلال حالة الهلع التي سببها الوباء، ويقومان بتحويل شحنة مهربة من حمالات الصدر إلى كمامات صحية، بعد قص كل حمالة إلى نصفين. وباللعب على التنميطات الجاهزة والسهلة لشرطة الأخلاق، تصبح مشكلة جهاز الأمن مع الكمامات المُرتجلة إنها مادة إباحية أكثر من كونها غير مناسبة صحياً. وبعد مصادرة بضاعتهما من قبل الشرطة، يوافق عماد ووحيد على تهريب مايكل وكيرن مقابل مبلغ كبير من المال.
الخطة التي تنهار من البداية، تتحول إلى ملهاة على نمط كوميديا "الفارس"، تتقطع السبل بمايكل وكيرين في غزة، ويخفيهما وحيد في منزله، حتى يجد طريقة لتهريبهما خارج القطاع. على خلاف سخرية "السلام لك يا مريم" الحاذقة والحادة والكاشفة سياسياً، فإن "أسبوع غزاوي" يعجز عن توظيف طزاجة فكرته الأساسية، مكتفياً بكوميديا تظل طافية على سطح. المفارقات تتولد لدى الطرفين من التنميطات المسبقة عن الآخر. كيرين التي تتعامل مع مضيفيها باستحقاق وتعال، تصطدم مع واقع العيش في غزة من دون ماء نظيف ومع انقطاعات متكررة للكهرباء علاوة على شعورها بأنها سجينة. اللغة تكون مصدراً لسوء الفهم كذلك، سواء بسبب ضعف إنكليزية وحيد، أو حين تأتي كيرين بردود أفعال هستيرية كلما سمعت كلمة "حماس" أو ما يشبهها.الإيقاع السريع للأحداث يحفز عناصر خفيفة الظل ومضمونة النتائج بمعايير كوميديا سهلة، جيران فضوليون ورجال شرطة مدللون وفاسدون وغير أكفاء، المجاري تطفح وشخصيات تصاب بالإسهال ومن ثم مطاردات بالسيارات في شوارع غزة على خط الحياة والموت. الإشارة السياسية تركز على وضع الحصار المرهق والممتد، يسعى الغزيون إلى إيجاد طرق للتحايل على الحياة، بطرق هي خليط من ابتكار وتقشف وخيال واسع، وبالطبع لا تخلو من معاناة. في لحظة صدام، يصرخ وحيد في وجه مايكل وكيرين بعد نوبة أخرى من الشكوى من ظروف إقامتهما في غزة: "كابوسكم هو واقعنا منذ وقت طويل".وفي ما هو متوقع من كوميديا خفيفة تسعى لإرضاء الجمهور بنهاية دافئة، يتقارب الطرفان مع الوقت، تتأقلم كيرن مع أوضاع غزة وتتفهم أيضاً، وينشأ قدر من التضامن بين أسرة وحيد وضيفيها، ويبدو وكأن المعضلة تكمن في سوء فهم متبادل يمكن تجسيره، لولا جيش الدفاع الذي نشاهده في بداية الفيلم ينسف النفق الموصل إلى غزة، ولولا "حماس" التي تلعب شرطتها دور الشرير طوال الفيلم.الألوان الباهتة مع الديكورات غير المقنِعة، بالإضافة إلى التقطيع المتعجل وغير المتقن للمشاهد، يعطي الانطباع بأننا أمام فيلم تلفزيوني. الأسوأ هو أن زاوية النظر تبدو وكأنها تأتي من الخارج، بعين الناظر الغربي المدلل والآمن الذي يخوض مغامرة اضطرارية في أرض غريبة مليئة بالأخطار وتنميطات التعصب الديني والهوس الجنسي والاحتيال والفساد، وتأتي النهاية السعيدة بخروجه سالماً بعد أن يشعر ببعض التعاطف الأقرب إلى الشفقة تجاه سكان القطاع.(*)عرض الفيلم في إطار برنامج مهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن الشهر الماضي.