2025- 05 - 10   |   بحث في الموقع  
logo بشأن تهريب شحنة ذهب لـ”حزب الله”.. هذا ما قاله سلام logo فوز 13 بلدية في قضاء المنية – الضنية بالتزكية و10 مخاتير logo الجيش يستكمل انتشاره في بلدات عكاريّة عشية الاستحقاق الانتخابي logo انتشار مرض الحمى القلاعية في أكروم؟ logo “حزب الله” يُشيّع شهيدَين logo مفتي صور وموقع: بالصبر والثبات نحمي وطننا logo ترامب يعلن اتفاق الهند وباكستان على وقف إطلاق النار بوساطة أميركية logo جونية.. وفاة شخص بحادث خطير في الطيران الشراعي!
رينيه ديك وموبقات الاستعمار
2021-04-15 15:56:09


قبل سنوات طردوا رينيه ديك من كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، حين كانت "موديلاً" في صف الرسم البشري. أيديولوجيا الحشمة ما عادت تطيق هكذا تقاليد: لا يجوز رسم العري. لا يجوز وجود امرأة عارية هكذا أمام نظر الطلاب. بل لا يجوز تأمل الجسم البشري والاعتراف به أو تبجيله. تم حذف هذا التعليم الحيّ "الذي صدّره لنا الاستعمار الغربي مع كل موبقاته ومفاسده وانحلاله الأخلاقي".
الذين طردوها هم المهيمنون على الجامعة اللبنانية كما على النقابات وعلى الشارع وعلى الثقافة والسياسة والحدود ومخازن الأدوية وشبكات شراء الدولارات.. إلخ.ماتت رينيه ديك، الممثلة المسرحية والسينمائية، والموديل العاري لأجيال من خريجي الفن التشكيلي. ماتت بكامل فقرها وانكسارها. اكتملت شيخوختها حتى الانطفاء.
بدا لي غيابها انتصار جديد للذين طردوها وحاولوا إذلالها. غياب علامة أخرى على مدينة كانت هنا، على بشر مختلفين عن أولئك المهيمنين الأقوياء. بشر أو بالأحرى أفراد منحوا ذاك الطعم الغامض والجذاب لزمن بيروت الآفل.
منذ منتصف الخمسينات ابتدأ عصر ثقافي وسياسي واقتصادي في العاصمة، جعلها بفترة قياسية "كوزموبوليتية" بالغة الغواية والتأثير في هذا الشرق الأوسط. مدينة تستيقظ كل يوم لتستعرض نفسها، سياحة وفناً وتجارة واختلاطاً لأعراق وثقافات، مضيئة شرق المتوسط بأكمله.
ورغم كل السذاجة التي تكتنف عادة الادعاءات الكبيرة، كانت فكرة "الحداثة" عنواناً يومياً، وتدريباً عمومياً للسكان وهم ينخرطون في نمط حياة يصبو إلى التشبه بأمثلة المدن الكبرى، المتروبوليتان، باريس أو نيويورك.. وكان هذا يحدث في ازدهار الصحف والمصارف ومقاهي الرصيف والمسارح ودور السينما والمتاجر الكبرى الجديدة وصالات الفنون والمعاهد الأكاديمية والإقبال على اللغات الأجنبية وظهور العمارات الحديثة وتغيّر وظائف السكن واكتساب آداب سلوكية جديدة وفورة المطابع ودور النشر وبروز الحركات الأدبية..تعود رينيه ديك إلى تلك الحقبة، إلى تلك الأجيال والأسماء التي أضافت للجمهورية اللبنانية ذاك الصدى الخاص في تاريخ المنطقة. وبقليل من الادعاء، هم الذين جعلوا لبنان أكبر من جغرافيته.
كان الفن على وجه التحديد، والمتمتع بالحرية، يؤلف ذاكرة وطنية بقدر ما كان يدبر "عاصمة" على معناها الجامع للكيان وللمجتمع. أي يصنع ذاكرة عامة ومشاعر مشتركة هي إلى حد بعيد الهوية. وأولئك الذين تنكبوا الفن، وألفوا لنا صورة عن أنفسنا ووجداننا ومزاجنا وذوقنا، الطليعيون الأفراد، كانوا أهم من السياسيين أو التجار والصناعيين.. في إضفاء المعنى وتحديد الدور ورسم الوجهة لهذه الجمهورية. وكانوا أول المنهزمين في حروب لبنان المتناسلة. وبهزيمتهم بدت البلاد متشرذمة ومنتكسة إلى ما قبل الدولة. لقد هُزمت الحداثة وأهلها على نحو عنيف وقاس.عادت رينيه ديك وأشباهها إلى الواجهة في التسعينات.. أضيئت المسارح تحت عنوان "إعادة الإعمار" وبأيديولوجيا استئناف ما توقف في نيسان 1975. هكذا كقفزة هائلة فوق تجربة 15 عاماً من الحروب. وبكامل السذاجة، كان ذاك "الأمل" باستعادة بيروت الستينات والسبعينات يتجاهل قوة التجربة المريرة لتلك 15 عاماً وفظاظة الوقائع الجديدة التي يمكن اختصارها بتجذر عقيدة الحرب والإيمان الطائفي وتبدد الاستقلال الوطني.
بين مطالع التسعينات وحتى منتصف العشرية الأولى، كانت حقبة رفيق الحريري بقدر ما كانت حقبة حسن نصرالله وآل الأسد (والدبابات الإسرائيلية). الإعمار والحرب، الفن والرصاص.. معاً. التعايش المستحيل سرعان ما انفجر وبدأ موت البلد.
في العقدين المنصرمين، أتيح لجيل رينيه ديك أن يمنح جيل ما بعد الحرب ذاك القبس قبيل انطفائه. رأينا اللوحة والمسرحية والفيلم، وسمعنا تلك الموسيقى والأفكار، واختبرنا ذاك العيش الحر الفردي، وانحزنا لطرائق كتابة وسياسة وكلام، واخترنا سبل حب ومعاشرة وسهر وصداقات، بل وأماكن سكن وعيش.. وفق ما يناسب رغبتنا بتلك "الكوزموبوليتية" البائدة. نحن الأقلية الأخيرة من الذين ورثوا "ما صدّره لنا الاستعمار الغربي مع كل موبقاته ومفاسده وانحلاله الأخلاقي".مئات من أسماء الصحافة والرواية والشعر والمسرح والفكر والفن التشكيلي والسينما.. يحضرون الآن مع رينيه ديك (وقبلها لقمان سليم) كموتى وكمهزومين ومطرودين. هكذا تركع المدن وتخرّ صرعى.
لا عري لا مسرح لا مدينة.. ولا جمهورية تليق بنا.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top