2025- 12 - 15   |   بحث في الموقع  
logo الجيش يوقف 38 سوريًا.. والسبب؟ logo داخل هنغار.. أطنان من المواد الغذائية الفاسدة والمكسرات logo تمشيط بالأسلحة الرشاشة باتجاه أطراف حولا ومركبا logo المحرّمات الثلاث المارونية... (ناجي علي أمهز) logo ‏إقامات مزوّرة لعمّال أجانب… وأمن الدولة يوقف المتورّط في برج حمود logo في صيدا وجوارها.. توقيف مروّج مخدّرات logo لقاء "ودّي" بين اللبنانية الأولى واعلاميين logo في اليرزة.. لقاء جمع هيكل بأيوب
المحرّمات الثلاث المارونية... (ناجي علي أمهز)
2025-12-15 18:30:55


في إحدى السهرات، قبل نحو عقدين، على شاطئ طبرجا، دار حديث يشبه لبنان: متشعّب، هادئ في ظاهره، عميق في طبقاته. كنا نتداول أسماء من التاريخ الماروني، من شارل الحلو إلى الشيخ بيار الجميل، لا من باب الحنين، بل من باب التشريح.
وحين وصل النقاش إلى مقولة: الله، الوطن، العائلة، تدخّل أحد الحاضرين، من حزب الأحرار، قريب من الرئيس كميل شمعون، وقال قبل أن يشرح:
«إنصافاً للتاريخ، سُرقت الأضواء من الشيخ بيار الجميل، مع أنّ فصاحته وحدسه السياسي لا يختلف عليهما اثنان».
لم يكن الشعار، كما قُدّم يومها، مجرّد تركيب لغوي، بل استجابة تاريخية لزمنٍ كانت فيه الإيديولوجيات الأممية، ومنها الشيوعية، تزحف على المشرق. كان “الله” تحصيناً للانتماء، لا دعوةً إلى دولة دينية؛ وكان “الوطن” رفضاً للذوبان في قوميات بات تطبيقها مستحيلاً، أو في أمميات مستوردة؛ وكانت “العائلة” دفاعاً عن النواة الاجتماعية اللبنانية في وجه نماذج غربية لا تشبه تركيب هذا المجتمع، مهما انفتح على العالم.
لكن هذه الثلاثية، على أهميتها، ليست الوحيدة التي تركت أثرها في الوجدان اللبناني. فلبنان، في تكوينه، ابن ثلاثيات متداخلة، سياسية واجتماعية وثقافية.

ولعلّ المثال الأوضح هو الثلاثية الزجلية القديمة: مسيحية، شيعية، درزية، التي شكّلت، قبل انحراف الطائفية، علامة هوية اللبناني. فكان يُسأل: “بتقول زجل؟”؛ إن قال نعم، قيل “لبناني قح”، وإن لم يعرف، عُدَّ غريباً عن هذا المكان.

غير أنّ السياسة المارونية، تحديداً، قامت على ثوابت لا تقبل التصرّف ولا المساومة، يمكن اختصارها بثلاثة محرّمات.

أولها: لبنان بحدوده الكاملة – 10452 كلم².
هذا الرقم ليس تفصيلاً جغرافياً، بل نذر وجود. يدرك الموارنة، كما يدرك الإنسان اسمه، أنّ التخلّي عن كيلومتر واحد ليس تنازلاً تقنياً، بل بداية محو. فالعالم العربي يضم 22 دولة، والعالم 195 دولة، لكن الكيان الوحيد الذي يشكّل الإطار التاريخي والمستقبلي للمارونية هو لبنان. ومن دونه، تتحوّل الطائفة إلى جماعة دينية بلا دور، وبلا معنى سياسي.

لذلك، فإن التمسّك بالأرض ليس تعصّباً، بل غريزة بقاء. وهو ما يمنح الموارنة، وسط ثمانية مليارات إنسان، توصيفهم الوطني الخاص، الذي لا يستمد شرعيته من العدد، بل من الدور.

المحرّم الثاني: الجيش اللبناني.
هذه المؤسسة ليست جهازاً من أجهزة الدولة، بل هي الدولة في معناها الجامع. هي حصن الكيان، وهوية الوطن، والضمانة الأخيرة لوحدة مجتمع لا يشبه غيره. في بلد قام على التوازن لا الغلبة، وعلى الشراكة لا الإلغاء، يصبح الجيش التعبير الأصدق عن فكرة “الكلّ اللبناني”، خارج الحسابات الطائفية والمصلحية.

أما المحرّم الثالث: التنوّع.
لا بوصفه طوائف متقابلة، بل بوصفه صيغة وجود. فلبنان لم يُبنَ على طائفة، بل على طوائف، ولم يُرد له أن يكون دولة طائفية، بل دولة تعترف بالتعدّد وتحميه، ريثما تنضج المواطنة. الأقليات المشرقية، في هذا المعنى، ليست عبئاً على لبنان، بل أحد أسرار معجزته وعلّة وجوده في هذا الشرق.
الخلاصة،
هذه الثوابت الثلاث ليست شعارات، بل شروط بقاء:
وطنٌ كامل السيادة والمساحة،
جيشٌ واحد يجسّد الدولة،
وتنوّعٌ يُدار بوطنية لا بطائفية.
كل ما عدا ذلك قابل للنقاش.
أما هذه، فمحرمات.

الخاتمة:
لا يوجد لبناني واحد، مهما كان انتماؤه الطائفي، يقبل أن يذهب جزء من هذا الوطن إلى أي كان، لا إلى سوريا ولا إلى إسرائيل. لذلك، عندما يتحدّث توم براك عن ضمّ لبنان إلى بلاد الشام، فهو يستهدف الموارنة قبل غيرهم، ويصيب في العمق فكرة لبنان.

ومن يعلن، أو يقبل، أو يروّج للانضمام إلى أي من هذه الكيانات، إنما يضع نفسه خارج الهوية اللبنانية، ويصبح غريباً عنها.

وكذلك، فإن أي لبناني، تحت أي ذريعة – دينية كانت أو فنية أو حتى إنسانية – يستسهل، لا سمح الله، ليس الاعتداء على الجيش فحسب، بل حتى النظر إلى أصغر جندي بنوع من الاستعلاء أو الكراهية، هو غريب، ويجب أن يُحاسب. فلا قداسة في دستورنا تعلو على قداسة الجيش اللبناني.
أما الحفاظ على الطوائف، فهذه التعددية لا تقبل النقاش أو المساومة. فالاختلاف في السياسة شيء، والاختلاف على وجود طائفة شيء آخر مختلف جذرياً.

وكل من يحرّض على أي طائفة من طوائف لبنان هو حكماً غريب، ولو كان جدّه الأول لبنانياً.
هذه هي المحرّمات الثلاث في دستور الوجود الماروني وكل لبناني.
ومن يخرج عليها، يخرج أولاً على الموارنة والاجماع الوطني، ويهدّد وجود اللبنانيين.




ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top