لم تعد القضية الفلسطينية اليوم مجرد ملف سياسي مُعلّق، أو نزاع حدودي قابل للتفاوض، فمنذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، وما كشفته من انهيار أركان المنظومة الإسرائيلية وتصدع صورة الردع، دخلت الأمة العربية والإسلامية، مرحلة إعادة تعريف موقعها ودورها، وفي قلب هذا التحوّل جاءت المبادرة الفكرية والسياسية التي طرحها الاستاذ خالد مشعل، رئيس حركة “حماس” في الخارج، عبر عشر خطوات تحمل في جوهرها مشروعًا شاملًا، لتحويل صمود غزة إلى استراتيجية دائمة، ولإعادة صياغة علاقة الأمة بقضيتها المركزية القدس.
( شتان بين النقاط العشر التي طرحت عام 1974، والنقاط العشر اليوم ).
كما نرى،هذه النقاط ليست برنامجًا تنظيميًا لحماس، بل مشروعًا عربيًا-إسلاميًا، قائمًا على إعادة الإحياء المعنوي، والسياسي، والإنساني للقضية الفلسطينية، بعد أن حاول الاحتلال تحويلها إلى ملف إنساني أو أمني، إنها رؤية لحظة تاريخية، شبيهة بتلك اللحظات التي أعادت تشكيل مسار الأمة عبر الزمن.
1 ـ القدس ليست شعارًا… بل عنوان التحرير القادم…
الخطوة الأولى التي وضعها مشعل تعيد البوصلة إلى موقعها الصحيح من خلال تحرير القدس مشروع الأمة الجامع، لا مشروع الفلسطينيين وحدهم.
فالقدس عبر التاريخ كانت مقياس قوة الأمة وضعفها، عندماعافتها الأمة تراجع دورها، وعندما حملت لواءها، كانت القدس مصدر نهوض هذه الأمة.
إن إعادة القدس إلى مركز الوعي العربي والإسلامي، ليست رومانسية خطابية، بل تأسيس لهوية سياسية جامعة، تتجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية.
2 ـ غزة.. المعركة التي لم تنتهِ…
يشدد مشعل على أن وقف الحرب لا يعني انتهاء العدوان الذي لم ينتهي بعد، فغزة اليوم تواجه حصارًا أشد فتكًا من القصف نفسه/ تجويع، أمراض، إنهيار بنى الحياة، منع الإعمار، محاولات إعادة صياغة القطاع، بما يخدم المشروع الصهيوني (وهذا لن يحصل).
في هذا السياق، تصبح مهمة الأمة، حماية غزة من الاستنزاف البطيء، كسر الحصار، فرض فتح المعابر، إعادة الإعمار، ورفض أي سيناريو يهدف لتهجير، أهلها أو وضعها تحت وصاية دولية.
3 ـ لا إنتداب ولا وصاية، لأن الشعب الفلسطيني هو صاحب القرار..
يُغلق مشعل الباب أمام أي مشاريع غربية، أو إسرائيلية، لإعادة تشكيل غزة أو الضفة الغربية، أو فلسطين (كل فلسطين) تحت مسمى (الإدارة المؤقتة).
هذه النقطة تمثل رفضًا جوهريًا للعودة إلى زمن الانتداب البريطاني ولكن بصيغة جديدة مبتكرة.
الفلسطيني مقاومًا كان أو مدنيًا، هو صاحب الأرض وصاحب القرار(تجربة تاريخية) .
4 ـ حماية المقاومة… حماية كرامة الأمة…
هذا البند هو الركيزة الصلبة في المبادرة.. فالمقاومة ليست خيارًا، بل حقًا طبيعيًا ومقدسًا، وسلاحها جزء من هوية الشعب الفلسطيني،
وهنا مشعل يتحدث بوضوح، السلام الحقيقي لا يصنعه الضعفاء، فحين يطالب العالم بنزع سلاح المقاومة، عمليًا هو يطالب بنزع كرامة الشعب الفلسطيني بل أكثر (روح هذا الشعب) .
5 ـ الضفة الغربية المعركة المؤجلة.. يشير مشعل إلى أن المعركة الكبرى اليوم ليست فقط في غزة، بل أيضًا في الضفةالغربية التي تتعرض لأسوأ موجات الاستيطان وتقطيع كل شبر من هذه الأرض، اما القدس التي تواجه تهويدًا متسارعًا للحجر والبشر، فيجب ان تبقى العيون شاخصة الى مجتمع 48 الذي يعيش تضييقًا غير مسبوق.
إنقاذ الضفة يعني منع الاحتلال من إعادة تقسيم فلسطين جغرافيًا، وديموغرافيًا تمهيدًا لحل نهائي مفروض بالقوة.
6 ـ الأسرى الجرح المفتوح.. ملف الأسرى يُختصر بجملة واحدة(هؤلاء أهلكم وعرضكم)، في ظل ما يتعرضون له من تعذيب وتجويع واعتداءات، يتحول ملف الأسرى إلى مقياس إنساني وأخلاقي وإستراتيجي، تحريرهم ليس مطلبًا سياسيًا فقط، بل واجب وطني وديني وإنساني.
7 ـ الوحدة الوطنية شرط النصر.. هذا البند من أهم ما تضمّنته المبادرة.
يُدرك مشعل أن الانتصار لا يتحقق بمدافع غزة فقط، بل بترميم البيت الفلسطيني من الداخل عبر شراكة حقيقية، إدارة موحدة، قيادة موحدة، قرار وطني جامع، مشعل بذلك يقدّم دعوة صريحة، لإنهاء الانقسام المزمن الذي شكل خنجرًا في خاصرة القضية.
8 ـ استراتيجية عربية وإسلامية ضد التطبيع..
لا يمكن مواجهة( إسرائيل) من دون، جبهة عربية وإسلامية موحدة،فمشعل يطرح ضرورة بناء استراتيجية شاملة لمواجهة/
التطبيع ،الهيمنة الإسرائيلية ،مشاريع التمدد الاقتصادي والأمني في المنطقة،فألتطبيع اليوم لا يضر الفلسطينيين وحدهم، بل يعرض المنطقة إلى تفكك وجودي.
9 ـ ملاحقة الكيان دوليًا منبوذ لا شريك.. بعد مشاهد ألمقتلة في غزة، وألضفة، تغيّرت معادلة الرأي العام الدولي، ويرى مشعل أن اللحظة مناسبة لفرض عزلة قانونية، وسياسية، واقتصادية، على الكيان، تمامًا كما جرى مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، هذه النقطة عمليًا هي إحدى أهم نتائج (الطوفان).
10ـ استعادة الزخم الشعبي والإعلامي..
ينتهي مشعل بالدعوة إلى تحويل التعاطف العالمي المؤيد لفلسطين إلى تحالف عالمي منظم…
الحراك الطلابي، الإعلامي، القانوني والشعبي يجب أن يتحول إلى قوة ضغط مستمرة، لإبقاء غزة في الواجهة، ولفضح جرائم الاحتلال، ولتحويل التضامن إلى نتائج سياسية.
خاتمة.. لحظة تاريخية تستحق البناء عليها…
ما طرحه خالد مشعل ليس خطابًا تعبويًا، بل خريطة طريق، خريطة تبدأ من القدس وتنتهي في ساحات العالم، وتجمع بين، المشروع الوطني الفلسطيني، المشروع العربي والإسلامي، والمشروع الإنساني العالمي، إنها دعوة لمرحلة جديدة عنوانها: “لا عودة إلى ما قبل الطوفان”.
والمطلوب اليوم ليس مجرد تأييد هذه النقاط، بل تحويل هذه النقاط إلى برامج عمل سياسية، إعلامية، حقوقية، ميدانية، وثقافية تليق بالثمن الكبير الذي دفعته غزة، وتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها الطبيعية في قلب الأمة والعالم.