تعرّضت العلاقات اللبنانية ـ الأميركية أمس لانتكاسة خطيرة، تسبب بها إلغاء واشنطن زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل التي كانت مقرّرة لها اليوم، فيما كانت الأنظار منصّبة إلى البيت الابيض، حيث اللقاء بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب بولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، الذي ستكون تداعياته على لبنان والمنطقة، وفي الوقت الذي انطلق مؤتمر «بيروت 1»، المعوّل عليه لعودة الاستثمارات إلى لبنان، خصوصاً وقد شارك فيه وفد اقتصادي سعودي رفيع المستوى، ورحّب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلاله بعودة السعودية إلى لبنان، وبتعيين السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى اللبناني الأصل، واعتبره «لفتة معبّرة جداً من الرئيس دونالد ترامب حيال لبنان»، شاكراً إدارته «على كل الدعم»، ومتطلعاً «إلى مزيد من التعاون على كافة المستويات».
وقد طرح هذا التطور الأميركي تساؤلات كبيرة وخطيرة حول مصير كل التحركات الديبلوماسية الجارية لوقف اعتداءات إسرائيل على لبنان وإلزامها بوقف النار والانسحاب من الأراضي الجنوبية التي تحتلها تنفيذاً للقرار الدولي 1701. وفي هذه الأجواء، بدأ الموفد السعودي الامير يزيد بن فرحان محادثاته في بيروت، فزار أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري، على ان يلتقي لاحقاً رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. فيما اكّد مصدر بارز في «حزب الله» لـ»الجمهورية»، وجود «إشارات إيجابية في خطوط التواصل بين المملكة العربية السعودية وحزب الله».
وقالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، إنّ إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن، على خلفية المآخذ إزاء سلوك المؤسسة العسكرية ومواقف القائد، إنما يؤشر إلى انطلاق مرحلة جديدة من الضغط، تتجاوز «حزب الله» والحلقة السياسية والمالية والاقتصادية القريبة منه أو المتفاعلة معه، لتدخل إلى عمق مؤسسات الدولة. ومعلوم أنّ الجيش اللبناني بقي دائماً، وحتى اليوم، وعلى رغم كل التقلّبات السياسية، يحظى بموضع خاص ومميز لدى الأميركيين، سواء بإداراتهم «الجمهورية» او «الديموقراطية». وعندما انطلق مسار العقوبات والحصار على بعض القوى السياسية في لبنان، وقُطِعت المساعدات عن الدولة اللبنانية، بقيت المساعدات تتدفق إلى الجيش، ليستمر قادراً على أداء مهماته، وتمّ استكمال برنامج المساعدات الأميركية، وأتيح للجيش وأفراده أن يحصلوا على مساعدات مالية من دول خليجية، في ظروف الانهيار المالي في لبنان. وفي تقدير المصادر «أنّ الضغط المستجد سيقود الدولة اللبنانية والجيش إلى تحدّ جديد، وهو الانخراط في المسار أو المفهوم الأميركي لقرار وقف النار في الجنوب، وبنوده المثيرة الجدل. وهذا التحدّي سيحاول لبنان الرسمي مواجهته والخروج منه بأقل ما يمكن من أضرار».
انتهاء المسايرة
وفي السياق، أبلغت اوساط مطلعة إلى «الجمهورية»، انّ القرار الأميركي بإلغاء مواعيد قائد الجيش في واشنطن «لم يكن فقط رسالة قاسية للمؤسسة العسكرية، بل إنّ مفاعيلها تشمل أيضاً رئيسي الجمهورية والحكومة، اللذين كانت واشنطن تعوّل عليهما لتفعيل مسار نزع سلاح حزب الله».
وأشارت هذه الاوساط إلى «انّ الولايات المتحدة أرادت إفهام السلطتين السياسية والعسكرية على حدّ سواء، بأن إيقاع نزع السلاح بطيء، وانّ تعامل الدولة مع «حزب الله» يجب أن يكون أكثر صرامة».
واعتبرت الاوساط «انّ الاميركيين ارسلوا عبر الغاء زيارة هيكل لواشنطن، إشارة واضحة إلى اليرزة وبعبدا، بأنّ مرحلة المسايرة انتهت، وانّ المطلوب التجاوب الكامل مع الأجندة الأميركية للبنان، من دون إعطاء اي هوامش للمسؤولين، ومن دون مراعاة خصوصية الواقع اللبناني».
لا حرب
وقال مصدر بارز في «حزب الله» لـ«الجمهورية»، انّ «كل ما يحصل هدفه واحد هو السلاح. والأميركي يدرك انّ توازن القوى في لبنان لا يسمح بإخفاء طائفة عن بكرة أبيها». ورأى «انّ الأمور تدار بحقد وليس بالعقل، الرئيس عون وقائد الجيش يعلمان انّ الانصياع الكامل لهذه الضغوط سيؤدي إلى انفجار ليس في مصلحة أحد، لا في مصلحة العهد ولا في مصلحة الجيش. والتعاطي يُظهر قدراً عالياً من التفاهم ومعرفة الخطوط الحمر، سواء من الرئيس عون او قائد الجيش، ركيزته الارتياح إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وإدارته للأمور والتوازن الذي يقوم به. كما انّ هناك استياءً من الحملة عليه، ومن كل صوت يسمع للأميركي».
وقال المصدر: «لو أنّ اسرائيل قادرة على الحرب لكانت ذهبت اليها، لكن قرار الحرب في لبنان يحتاج إلى موافقة أميركية، وهناك اختلاف بين الطرفين حول النظرة إلى الأمور، فالأميركي يعتبر انّ سياسة الضغوط فاعلة وتؤدي إلى نتائج تدريجية، خصوصاً انّ «حزب الله» منضبط وملتزم قرار وقف إطلاق النار ولا خروقات من جهته، كما يعتبر انّه سيتحمّل مسؤولية أي حرب تذهب اليها إسرائيل، خصوصاً ان لدى الأميركي أطرافاً في الداخل تتجاوب معه وتقدّم له أوراق اعتماد مجانية، لذلك يضغط اكثر على هؤلاء لأخذ مزيد من هذه الأوراق، ويحقق أهدافه في سياق هذا الضغط… اما وجهة نظر «حزب الله»، فهي انّ هذه التنازلات تجعل الأميركي يطلب مزيداً، والقرارات التي اتخذتها الحكومة كان يمكن ان تساوم عليها للحصول على شيء في المقابل، خصوصاً في موضوع حصرية السلاح، وهي مستمرة في السياسة نفسها، حتى انّ العرض الذي قدّمه لبنان للتفاوض، وضعه الإسرائيلي في جيبه ونام عليه وينفّذ حالياً ما يحلو له من خروقات واستهدافات وتجاوزات للخط الأزرق، وهذا يؤكّد ما كنا نطلبه أن لا يقدّم لبنان تنازلات مجانية. والمشكلة الكبرى تكمن في انقسام الموقف السياسي الداخلي الذي يشجع الإسرائيلي والاميركي على زيادة الضغط والاستثمار في هذا الخلاف».
واستبعد المصدر نشوب حرب واسعة قبل زيارة البابا لاوون الرابع للبنان ولا بعدها «فليس بالضرورة ولا حاجة لأن تكون هناك حرب شاملة، اما توسيع الضربات فسيكون على «حزب الله» حصراً، وهذا ما أبلغه الأميركي إلى المعنيين عبر قنوات خاصة، فلبنان كدولة اصبح خطاً احمر بالنسبة إلى الاميركي في تجنيبه حرباً كبيرة»…
وختم المصدر: «نحن حالياً في حالة مراوحة واشتداد الضغوط، في انتظار ان تتمكن الولايات المتحدة من إحداث خرق على خط قبول إسرائيل وقف إطلاق النار». وكشف «انّ الجانب المصري لم يغلق باب الوساطة، ويمكن ان يعيد تحريكها بقواعد وعناوين قد يكون لها مقبولية، لأنّ الطرح الأول لم يكن متوازناً، وتجاوز اتفاق وقف إطلاق النار». وكشف المصدر «انّ هناك إشارات إيجابية في خطوط التواصل بين المملكة العربية السعودية وحزب الله».
الانتكاسة الأخطر
وكان لبنان بكل أوساطه الرسمية والسياسية، فوجئ أمس بالإلغاء الأميركي لزيارة قائد الجيش اللبناني للولايات المتحدة الاميركية، ما شكّل الانتكاسة الأخطر في تاريخ العلاقات اللبنانية- الاميركية. إذ بعدما أُلغيت اجتماعات كانت مقرّرة للقائد مع مسؤولين اميركيين، قرّر من جهته إلغاء الزيارة برمتها رداً على ما اعتبرها «إهانة» في حق لبنان وجيشه. فيما انبرى أعضاء في الكونغرس الأميركي يهاجمون مباشرة الجيش اللبناني الذي يحظى بدعم عسكري أميركي كبير.
وأشارت مصادر لبنانية رفيعة المستوى، إلى انّ العماد هيكل ألغى الزيارة لواشنطن بعدما علم بإلغاء عدد من الاجتماعات هناك. فيما قالت مصادر أميركية: «نأمل في إعادة تحديد موعد زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى واشنطن وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، في حال تنفيذ الإصلاحات اللازمة، أي إقرار الإصلاحات المالية المطلوبة وتسريع عملية حصر السلاح بيد الدولة وغيرها من الخطوات المطلوبة».
ووفق المصادر، تمّ تحويل الملف وما جرى مباشرةً إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وأصبح في عهدته داخل وزارة الخارجية واللجان المختصة، نظراً لدوره المركزي في إعادة صوغ السياسة الأميركية تجاه لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية، وبات استمرار التعاون مع الجيش اللبناني مرتبطاً مباشرة بمواقفه في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ملفّ الحدود ونزع سلاح «حزب الله»، وأنّ أي خطاب يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل سيؤثّر فوراً على مستوى العلاقات والدعم.
وتحدثت معلومات عن أنّ «السبب المباشر لإلغاء الزيارة هو الاعتراض الأميركي على البيان الأخير للجيش اللبناني، الذي استُعمل بحسب الإدارة للوم إسرائيل واعتبارها المشكلة وعدم لوم «حزب الله»، في وقت تُعتبر فيه إسرائيل حليفاً أساسياً للولايات المتحدة التي تقدّم الدعم الأكبر للمؤسسة العسكرية اللبنانية». واشارت إلى أنّ «هذا البيان أشعل غضباً لدى عدد من أبرز أعضاء الكونغرس، وفتح نقاشاً داخلياً حول مستقبل المساعدات للبنان».
وكتب السيناتور ليندسي غراهام عبر حسابه على «إكس»: «من الواضح أنّ رئيس أركان الجيش اللبناني – بسبب وصفه إسرائيل بالعدو، وجهوده الضعيفة والشبه معدومة لنزع سلاح «حزب الله» – يُمثل انتكاسة كبيرة للجهود المبذولة لدفع لبنان إلى الأمام. هذا المزيج يجعل القوات المسلحة اللبنانية استثمارًا غير مُجدٍ لأميركا». أضاف: «أشعر بخيبة أمل من هذا التصريح الصادر عن الجيش اللبناني شريك استراتيجي، وكما ناقشتُ مع رئيس أركان الجيش في آب، منحت إسرائيل لبنان فرصة حقيقية للتحرّر من إرهابيي «حزب الله» المدعومين من إيران. بدلاً من اغتنام هذه الفرصة والعمل معًا لنزع سلاح «حزب الله»، يُلقي رئيس أركان الجيش باللوم على إسرائيل، بشكلٍ مُخزٍ».
ومن جهته، سفير الولايات المتحدة الأميركية الجديد في لبنان ميشال عيسى اكتفى بالقول: «لا تعليق لديّ وليس لديّ معلومات بشأن إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن». أما وزير المال ياسين جابر فقال: «أتمنى أن يحل الموضوع قائد الجيش قريباً، لأنّ الجيش يجب أن يلقى كل الدعم ويجب ألاّ نضعفه. وهذا الأمر يحتاج إلى جهد ديبلوماسي من لبنان». بدوره قال وزير الصحة ركان ناصر الدين: «نحن إلى جانب الجيش وقائده وإلى جانب أي مسعى لحماية لبنان ويجب تعزيز دور الجيش».
«بيروت 1»
في غضون ذلك، قال الرئيس عون خلال افتتاح مؤتمر «بيروت واحد» تحت شعار: «بيروت تنهض من جديد» في واجهة بيروت البحرية: «إسمحوا لي أن أرحّب مرّة جديدة، بالوافد الديبلوماسي الجديد، السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى. إن اختيارَك في هذا المركز، ووجودَك معنا اليوم، هو لفتة معبّرة جداً من الرئيس دونالد ترامب حيال لبنان. ونحن نقدّرُ ذلك ونثمّنه. ونجدّد شكرنا لإدارته على كل الدعم. ونتطلّع إلى مزيد من التعاون على كافة المستويات». ورحّب عون بالوفود المشاركة بالمؤتمر، معتبراً انّ «وجودهم في هذا الحدث موضع تقديرٍ كبيرٍ من كل لبناني»، مقدّراً خصوصاً «مشاركة الأشقاء السعوديين، المشاركين للمرّة الأولى في مناسبة لبنانية على هذا المستوى، منذ مدة، كانت كافية لتشتاق بيروت إليهم، ويشتاقوا إليها». واكّد «انفتاح لبنان على محيطه العربي والدولي»، مشيراً الى «أنّ لبنان يجب أن يستعيد دوره الطبيعي لاعبًا اقتصاديًا وثقافيًا في المنطقة، وجسرًا بين الشرق والغرب، ومنصةً للتعامل والتعاون بين الشركات والمستثمرين والمؤسسات الإنمائية»، ومؤكّداً «انّ انفتاح لبنان ليس شعارًا، بل توجّهًا فعليًا نحو شراكات جديدة، نحو الأسواق المحيطة، ونحو تعزيز مكانته في خريطة الأعمال الإقليمية والدولية».
وقال: «اننا لا نبني المستقبل عندما تهدأ العواصف، بل نصنع الهدوء عبر البناء»، مشدّداً على «انّ الدولة التي تُحاسب مسؤوليها وتحمي مواردها، هي الدولة القادرة على حماية المستثمر والمواطن معًا». وقال: «من هنا، من بيروت، أوجّه نداءً إلى كل صديق للبنان، إلى كل مستثمر، إلى كل شريك محتمل: لبنان لا يطلب تعاطفًا، بل ثقة. لا ينتظر صدقة، بل يقدّم فرصة. وجودكم هنا اليوم هو استثمار في الاستقرار، في الطاقات الشابة، في مستقبلٍ سيكون أفضل إذا سرنا فيه معًا».
جنوباً
جنوباً، استهدفت غارة من مسيّرة إسرائيلية بصاروخين سيارة في بنت جبيل، أدّت الى استشهاد الموظف في اتحاد بلديات بنت حبيل علي شعيتو. كذلك استهدفت مسيّرة أخرى سيارة في بليدا ما ادّى إلى استشهاد هيثم المصري.
وكانت مسيّرة إسرائيلية القت قنبلة على حفارة في بلدة بليدا فجراً، ما أدّى الى إندلاع النيران فيها. فيما شنّ الطيران الحربي الاسرائيلي غارات وهمية في أجواء منطقتي النبطية واقليم التفاح وعلى علو متوسط.
وليلاً، اعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، افيخاي ادرعي، عبر حسابه على «إكس»، انّ الطيران الحربي الإسرائيلي أغار على موقع لحركة «حماس» في مخيم عين الحلوة، ما أدّى إلى استشهاد 13 شخصاً وإصابة آخرين.