كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
تشغل المفاوضات التي أطلق مسارها رئيس الجمهورية جوزاف عون الرأي العام اللبناني. وتعتبر مصيريّة لأنها قد تُقرّر مستقبل لبنان والمنطقة، فإذا سارت بإيجابية ستنعم البلاد باستقرار تفتقده منذ نكبة 1948. لكن "حزب الله" يعمل بسلبية بعد بيان الأمس ويرفض التفاوض.
يدفع لبنان الثمن الأكبر للصراع العربي - الإسرائيلي، وعدم ذهابه نحو مفاوضات مع إسرائيل وإرساء أُسس السلام ومن ثمّ التطبيع بعد استرجاع الأرض والحقوق، يعني البقاء في الدوامة نفسها التي دمّرت البلاد وجعلتها رهن القضية الفلسطينية.
وكانت الدولة اللبنانية تنتظر ماذا سيكون ردّ فعل إسرائيل وإلى أين ستذهب الأمور. ويظهر كأن الأحداث تتوالى وتعيد نفسها في بعض الأحيان، وتتلخص الصورة كالآتي: دولة لبنانية لا تملك القرار ولا يزال "حزب الله" متحكّمًا بمفاصلها رغم هزيمته العسكرية والسياسية، ولا تستطيع الذهاب إلى المفاوضات من دون موافقته بعدما أعلن التمسك بالمقاومة وفرمل التفاوض. في المقابل لا شيء يردع إسرائيل، فهي المنتصرة على محور "الممانعة" وتحوز دعمًا غير مسبوق من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتستطيع التحرّك العسكري في كل لبنان ساعة تشاء، لأن حرب "الإسناد" التي قادها "حزب الله" ووقع بعدها على اتفاق 27 تشرين الثاني، أعطى حرية الحركة لإسرائيل وسمح لها بالتحرّك عندما ترى الخطر، ومن دون تحديد أي ضوابط أو تصنيف لهذا الخطر أو نوعه.
ويدخل عامل جديد على الساحة السياسية اللبنانية وهو وصول السفير الأميركي الجديد لدى لبنان ميشال عيسى، وأهمية أنه من أصول لبنانية ومقرّب جدًا من ترامب ويعرف الخفايا والألاعيب اللبنانية، وسيكون هو المهتم رقم واحد بالملف اللبناني. وبالنسبة إلى الموفد توم برّاك، فسيتابع الملف اللبناني، لكن لديه اهتمامات أخرى في المنطقة وعلى رأسها سوريا. وستبقى الموفدة مورغان أورتاغوس مطلعة على التفاصيل اللبنانية وستتابع عمل "الميكانيزم" بكل تفاصيله، وسترافق مرحلة التفاوض إذا حصلت وسلكت طريقها بنجاح.
ولن تترك الولايات المتحدة الملف اللبناني كما يُروّج البعض، لكن الخيارات المطروحة أو السيناريوات المنتظرة هي التي تختلف، لا أحد يعرف اتجاه الأمور، لكن الثابت الوحيد في كل ما يجري هو عدم قبول تل أبيب أو واشنطن بعودة "حزب الله" إلى سابق عهده وإعادة بناء قاعدة نفوذ لإيران في لبنان وعلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط وبالقرب من إسرائيل.
وفي هذا السياق، تعيش الدولة اللبنانية مرحلة تخبّط لا مثيل لها، فقمة الإحراج بالنسبة إليها هي عدم موافقة "حزب الله" على الذهاب إلى المفاوضات، وهذا ما أظهر عجزها الفعلي ولا تستطيع حينها فعل أي شيء أو مخاطبة المجتمع العربي والدولي.
ولا يتوقف الأمر على جواب "حزب الله" السلبي وحده، بل الطرف المعني بالمفاوضات أي إسرائيل، وحتى الساعة لم تُبلغ الدولة اللبنانية بردّها على طرح الرئيس عون الذهاب إلى التفاوض، ولا تزال تدرس الموضوع ولم تُحدّد مطالبها بعد أو أي إطار تفاوض تريده ومستوى وشكل هذا التفاوض.
ويطرح تأخير الردّ الإسرائيلي علامات استفهام عن النوايا التي تختزنها، وهناك تخوّف داخل الدولة اللبنانية عبّرت عنه مصادر متابعة للملف اللبناني - الإسرائيلي وهو أن تلاقي مسألة التفاوض المصير نفسه الذي أتى بعد طرح ورقة برّاك.
وتنبع الخشية من أن الحكومة أقرّت في جلستي 5 و7 آب ورقة برّاك وتأمّلت خيرًا، ورأت في تطبيق الخطوة مقابل الخطوة تسهيلًا لعملها في سحب السلاح غير الشرعي، لكن تل أبيب لم تمنح هذه الورقة فرصة ولم تبد أي بادرة حسن نية في الانسحاب من الأراضي المحتلة، أو بعض النقاط أقلّه، لا بلّ كثفت ضرباتها ووسّعت دائرة استهدافاتها.
وبعد إعلان الرئيس عون رغبة لبنان بالتفاوض، وشدّد في أكثر من مناسبة على أن لا حلّ إلا بالتفاوض بعدما رأينا نتائج الحروب، ضرب "حزب الله" هذا المسار وأكد أنه صاحب الكلمة الفصل وأدخل لبنان في مسار المواجهة المحتملة. من هنا، يبقى لبنان معلقًا على خشبة الانتظار، لأن تل أبيب هي اللاعب الأقوى و"الحزب" يلعب بمصير البلاد ولا قدرة للدولة على الذهاب إلى أي مفاوضات من دون رضاه.
The post "الحزب" ينهي التفاوض: الدولة في قمة الإحراج appeared first on Lebtalks.