من عرسٍ في مغارة إلى جدل عند صخرة، تتبدّى صورة لبنان المنقسم في الاراء حتى العضم. ما جرى في جعيتا والروشة لم يكن مجرّد حدثين، بل مرآة لبلد تتنازعه الانقسامات العمودية والفساد في تطبيق القوانين، حتى صار لكل موسم قانون، ولكل معلم ميزان مختلف من التشديد أو التساهل.
ما جرى بين صخرة الروشة ومغارة جعيتا، كشف الانقسام في الرأي العام واشتعلت المنصات، في مشهد يختصر المزاج اللبناني المتقلّب بين ما يصح هنا او لا يصح هناك، وبين ما يسمى انتهاكاً ومساً بالمعالم الاثرية وبين “كلها مرة…بتمرق”.
في صخرة الروشة، كانت القضية تتعلق بحدث رمزيّ لا يشكل خطراً على الصخرة ولا يغير معالمها الا انه أثار جدلاً واسعاً، قيل إنه يمسّ بحرمة الموقع الطبيعي الذي يُعدّ أحد أبرز رموز بيروت.
البعض رأى في ما حصل تعدّياً على معلم وطني يفترض أن يبقى محايداً، والبعض الاخر اعتبر ان من حقه كلبناني احياء ذكرى استشهاد رمز لبناني في هذا المعلم.
في المقابل، شهدت مغارة جعيتا حدثاً من نوع مختلف “حفلة وداع عزوبية داخل المغارة” كان في بدايته مجرّد فكرة رقمية لمهندس مبدع قبل أن تتحول إلى حقيقة مصوّرة لكنها حصلت من دون اذن رسمي ومن دون الاخذ بالاعتبار انعكاساتها على معلم سياحي مصنف كثامن عجائب الدنيا.
البعض رأى فيها خطوة مبهرة تعكس روعة المكان، فيما آخرون اعتبروها تجاوزاً غير مقبول وانتهاكاً لمعلم طبيعي بيئي وسياحي.
لكن السؤال الأعمق الذي يطفو من بين هذه النقاشات: لماذا هناك صيف وشتاء على سطح واحد؟ ولماذا ما يحق لجهة لا يحق لغيرها وكيف تتم ملاحقة منظمي الذكرى على الروشة فيما يتم الاكتفاء بالانذار عند المغارة واين القوانين المرعية الاجراء ولماذا تبقى حبراً على ورق؟.
الجواب بسيط ومعقّد في آن. لأننا في بلدٍ تسوده ازدواجية المعايير، وتتحكّم به الانقسامات العمودية التي تجعل من كل حدث، مهما كان بسيطاً، ساحة لتبادل الاتهامات والانتماءات. فالموقف من الروشة أو جعيتا لم يعد مسألة رأي، بل مسألة تموضع سياسي أو بالاحرى طائفي، مع قلة قليلة بقيت على موضوعيتها، وما يزيد الطين بلة تفاقم الفساد والانقسام. فما يُمنع على فئة يُسمح لغيرها، وما يُدان في الإعلام يُحتفى به في الصالونات المغلقة.
القوانين في لبنان لا تُطبّق بعدالة بل بالانتقائية، وفق المصالح والولاءات، لا وفق المبدأ.
وهكذا، ما جرى في الروشة وجعيتا ليس مجرّد اختلاف حول حدثين مغايرين في المضمون فهناك حزن ووجع وهنا فرح وموسيقى، بل هو مرآة لبلدٍ يعيش تشقّقاً عمودياً في الوعي والانتماء، حيث تتحوّل اي قضية إلى معركة هوية.
اما بعد، تبقى الصخرة والمغارة شاهدتين ، كل بطريقتها، على لبنان الذي لم يقرّر بعد: هل هو وطنٌ للقانون والعدالة، أم ساحةٌ مفتوحة لصراعات لا تسمن ولا تغني عن جوع؟.
موقع سفير الشمال الإلكتروني