لم يعد الحديث عن تقصير الدولة في تأمين الخدمات اليومية والضروريات الأساسية للمواطنين أمراً جديداً، بل أصبح واقعاً يعيشه الناس في تفاصيل حياتهم، من تصحيح للأجور الى حلول لمصير الودائع الى أزمة الكهرباء والمياه وتردي خدمات الصحة والتعليم وغياب انتظام الاتصالات.
هذا التراجع لا يقف عند حدود رفاهية المجتمع، بل يضرب أسس الانتظام العام ويهدد الاستقرار الاجتماعي.
فحين تعجز الدولة عن القيام بأبسط واجباتها، يضطر المواطن إلى البحث عن بدائل فردية أو خاصة غالباً ما تكون مكلفة وغير عادلة. وهنا تتسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، ويتحول الحق في الخدمات الأساسية إلى امتياز لمن يستطيع دفع ثمنه.
ومع مرور الوقت، يولد هذا التفاوت شعوراً بالظلم وفقدان الثقة بالمؤسسات، ما يفتح الباب أمام الفوضى الاجتماعية وانكفاء الأفراد نحو العصبيات الضيقة أو شبكات النفوذ غير الرسمية.
تبرير السلطة لهذا الجمود والتقصير بوجود تباينات سياسية عميقة حول قضايا محلية وإقليمية، (غير مبرر) وكأن الخلافات على الملفات الكبرى تبرر تعطيل شؤون الحياة اليومية للناس. لكن الحقيقة أن هذه التباينات تحولت إلى ذريعة للتنصل من المسؤوليات، وغطاء لتكريس غياب الدولة وتحويلها إلى ساحة صراع بدلاً من أن تكون إطاراً ضامناً لمصالح المجتمع.
إستمرار هذا الواقع، يضعف هيبة الدولة ويؤدي إلى تآكل العقد الاجتماعي بين المواطن ومؤسساته. فالمواطن الذي نهبت مدخراته، وتضاءلت وارداته، ويدفع الضرائب ويلتزم بالقانون الغائب، لا يجد في المقابل خدمات تحترم كرامته أو تحفظ له حقوقه.
ومع كل أزمة جديدة، يتعاظم الشعور بأن الدولة لم تعد مرجعاً أو مظلة جامعة، بل رهينة لإملآت وحسابات سياسية متشابكة لا تعبأ بحاجات الناس.
المطلوب اليوم مقاربة جدية تفصل بين الخلافات السياسية الكبرى وبين مسؤوليات الدولة اليومية، لأن المجتمع لا يمكن أن ينتظر توافقات إقليمية أو تسويات معقدة كي يحصل على ابسط الحقوق والخدمات اليومية.
السلطة التي لا توفر هذه الأساسيات تفقد مبرر وجودها، وتدفع المواطنين إلى خيارات بديلة قد تكون أشد خطراً على الاستقرار والنظام العام.
موقع سفير الشمال الإلكتروني