كما كان متوقعاً، جاءت كلمة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أمس بمناسبة الذكرى الـ47 لإخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والإعلامي عباس بدر الدين لتؤكّد موقف الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله، الرافض بقوّة لتسليم السّلاح “تحت تحت وطأة التهديد وضرب الميثاقية واستباحة الدستور”، وفق ما قال برّي في كلمته التي جاءت متناغمة مع موقف حزب الله وحلفائهما.
لكنّ كلمة برّي المنتظرة لم تقف عند هذا الحدّ، بل تضمّنت مواقف عدّة ورسائل وجّهها رئيس المجلس إلى من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج بخصوص السّلاح الذي أخذ القسم الأكبر من كلمته، حملت إلى جانب الموقف السّياسي نصائح وتحذيرات، إضافة إلى رسالة وجّهها للداخل بدت كـ”خريطة طريق” للخروج من الأزمة، وإنقاذ لبنان من مخاطر عدّة تحيط به وتنتظره.
أبرز هذه الرسائل يمكن تلخيصها بالتالي:
أولاً: لعلّ أهم رسالة وجّهها برّي إلى الدّاخل اللبناني قوله إنه “من غير الجائز وطنياً وبأيّ وجه من الوجوه رمي كرة النّار في حضن الجيش اللبناني”، في تحذير واضح لا يحمل أيّ التباس من مخاوف تراود أغلب اللبنانيين من أن يؤدّي الضّغط على الجيش لتنفيذه قرار الحكومة الذي اتخذته في جلستي 5 و7 آب الماضي، بالقوة، بخصوص حصر السّلاح بالجيش، “الذي كنّا وسنبقى نعتبره درع الوطن وحصنه الحصين” وفق قول برّي، إلى وقوع صدام بين الجيش وحزب الله وحلفائه الذين يرفضون تسليم السّلاح قبل استجابة الجانب الإسرائيلي لشروط ومطالب لم يلتزم بها منذ قرار وقف إطلاق النّار قبل نحو عام، برغم إلتزام لبنان الكامل به.
ثانياً: رمى الرئيس برّي الكرة في ملعب الفرقاء الآخرين في لبنان، بتجديده الدعوة لـ”حوار وطني” لمناقشة ملف السّلاح ووضع “إستراتيجية دفاعية” جرى التوافق عليها سابقاً ولم ترَ النّور بفعل التجاذبات الدّاخلية والضّغوطات الخارجية. وجاءت دعوة برّي بتأكيده الإنفتاح على “مناقشة مصير هذا السلاح، الذي هو عزّنا وشرفنا كلبنان، في إطار حوار هادئ توافقي تحت سقف الدّستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والقوانين والمواثيق الدولية بما يفضي إلى صياغة إستراتيجية للأمن الوطني تحمي لبنان وتحرّر أرضه وتصون حدوده المعترف بها دولياً”، فهل يتلقف الآخرون مبادرة برّي ويجنّبون لبنان مأزقاً يضع مصيره ومستقبله واستقراره على المحكّ.
ثالثاً: حذّر برّي من ما أسماه “خطاب الكراهية” الذي “بدأ يغزو العقول وتفتح له الشّاشات والمنابر والمنصّات”، ومن “العقول الشّيطانية”، و”حملات التنمّر السّياسي والشّتم والشّيطنة والتحقير على نحو ممنهج بحقّ طائفة مؤسِسة للكيان اللبناني”، منبّهاً من أنّ ذلك يهدف لـ”إعادة ضخّ الحياة في مشاريع قديمة جديدة، ولو كانت على ظهر دبابة إسرائيلية”، في إشارة من برّي إلى مرحلة خطيرة من تاريخ لبنان الحديث تعود إلى أيّام الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهي مرحلة ما تزال تداعياتها حاضرة، وأنّ محاولة البعض إستعادتها يعني بكلّ بساطة إدخال البلد مجدّداً في المجهول.
رابعاً: وجّه برّي رسالة مزدوجة إلى الدّاخل والخارج تنبّه من مخاطر عدم إلتزام إسرائيل بقرار وقف إطلاق النّار والقرار 1701 وورقة التفاهم الأميركية، برغم إلتزام لبنان بها، مثل عدم إنسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في الحرب الأخيرة، وعدم توقفه عن ممارسة عدوانه قتلاً واغتيالاً بحقّ اللبنانيين، ومانعاً سكّان 30 بلدة وقرية في الجنوب من العودة إليها، وهي مخاطر زاد عليها برّي إشارته إلى “الخريطة الزّرقاء” التي حملها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بيده، و”تضم لبنان كاملاً إلى دولة الحلم الإسرائيلي المزعوم”، في إشارة تحمل أكثر من مغزى يبعث على قلق كبير حول مصير لبنان ومآله، ومستقبل المنطقة ككل.
موقع سفير الشمال الإلكتروني