حملت زيارة المبعوثين الأميركيين توم براك ومورغان اورتاغوس إلى بيروت مؤشرات على تحول محتمل في طبيعة التعاطي الاميركي مع الملف اللبناني، وبالأخص في ما يتعلق بسلاح حزب الله والدور المرتقب للجيش في الجنوب. هذه الزيارة، التي أتت في ظل أجواء من التفاهم النسبي، لم تكن منفصلة عن مسار سياسي وأمني أوسع يتقاطع فيه الداخل مع رهانات الإقليم وتقاطعات المصالح الدولية.
أبرز ما طبع زيارة براك كان ما اعتبره ارتياحا لانطلاق لبنان في تنفيذ التزاماته في ما خص سلاح الحزب. فالمبعوث الأميركي، الذي سبق أن طرح مبدأ "الرد المتبادل"، بدا مستعدا للدفع نحو اتفاق متوازن، شرط أن تبادر إسرائيل إلى خطوات مقابلة.
هذه اللهجة الجديدة، تعكس ، بحسب مصدر سياسي، تحولا في القراءة الأميركية للواقع اللبناني، من مقاربة الضغط الأحادي إلى منطق التبادلية، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل بعد استمرار العمليات العسكرية في الجنوب.
بالتوازي مع ذلك، تزايدت المؤشرات حول استعداد حزب الله للنقاش بشأن مستقبل سلاحه، لكن ضمن شروط واضحة تتعلق بتوازن الردع والموقف الإسرائيلي. اللافت هنا أن هذه الاستعدادات تأتي بعد زيارة المسؤول الايراني علي لاريجاني، ما يؤشر إلى بعد إقليمي لا يزال الحزب، بحسب المصدر ، غير قادر على تجاهله، رغم تصاعد الضغوط الدولية وربط مسألة السلاح بمستقبل الاستقرار في لبنان.
لكن الحزب، ورغم هذه الضغوط، ما زال يتمسك بخطابه المعتاد عن سلاح المقاومة، مدعومًا بقاعدة شعبية شيعية تعتبر أن الحديث عن نزع السلاح هو استهداف مباشر لدورها ووجودها، ما يضع أي عملية تفاوض في مواجهة سياسية معقدة بين متطلبات الداخل وحسابات الخارج.
ان النقاش العملي خلال زيارة براك تمحور حول خطط دعم الجيش ، بما يشمل طلبا واضحا بدعم مالي وتقني وتحضير مؤتمر دولي لدعم المؤسسة العسكرية. ورغم ان هذا التوجه ليس جديدا، لكنه يكتسب اليوم، بحسب المصدر، زخما مضاعفا كونه مرتبطا بدور الجيش في مراقبة الحدود الجنوبية، واحتمال أن يتسلم لاحقا مهام قوات اليونيفيل في حال تم تفعيل آلية وطنية لمراقبة وقف إطلاق النار. ولذلك فإن مستقبل أي تفاهم على نزع السلاح أو التهدئة سيكون مرتبطا بشكل وثيق بقدرة الجيش اللبناني على ملء الفراغ الأمني وضبط الحدود، وهو ما يستدعي بدوره توافقًا داخليًا ودعمًا خارجيًا واسعًا.
في موازاة هذا المسار، بدأت تظهر بوضوح ملامح تحول في موقف الولايات المتحدة والدول الداعمة لليونيفيل، من التجديد التلقائي لمهامها إلى التمديد القصير الأمد تمهيدا لإنهائها. هذه المقاربة تعكس اقتناعا متزايدا بأن القوة الدولية لم تعد قادرة على تحقيق التوازن المطلوب، بل ربما تحولت إلى عبء رمزي على التفاهمات اللبنانية–الدولية، في وقت يجري الحديث في الاروقة الدولية والدبلوماسية عن ضروؤة تفعيل لجنة المراقبة بالشراكة والتنسيق مع الجيش.
في المحصلة، يمكن القول إن زيارة براك شكّلت اختبارا أوليا لمدى جاهزية الدولة اللبنانية للانخراط في تسوية داخلية– إقليمية تعيد رسم مشهد القوة في الجنوب. لكنها في الوقت نفسه، تطرح تحديات جدية، أبرزها: قدرة لبنان على الحفاظ على وحدة موقفه الداخلي، تكيّف حزب الله مع معطيات متبدّلة، وموقف إسرائيل من التزامات متقابلة لا تبدو حتى الساعة واضحة المعالم، وعلما أن براك الذي سيزور لبنان نهاية الشهر يفترض أن يحمل معه الموقف الإسرائيلي من الورقة الأميركية التي أقرها الحكومة اللبنانية ومدى التزام تل أبيب ببنودها لجهة الانسحاب من التلال الخمس ووقف انتهاكاتها البرية والجوية وصولا الى تثبيت الحدود البرية.