منذ الساعات الأولى لاندلاع المقتلة الصهيونية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، كان الصحافيون الفلسطينيون على خط النار المباشر، ليس لأنهم مقاتلون، بل لأنهم يحملون كاميرات وأقلامًا تكشف الحقيقة للعالم.
في نظر الاحتلال الإسرائيلي، الكاميرا قد تكون أخطر من أي سلاح، ولهذا تحوّل الصحافي إلى هدف عسكري مشروع ضمن خطة الحرب.
الأرقام وحدها تكفي لتوصيف حجم الجريمة، فبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، ارتقى حتى 11 أغسطس 2025 ما لا يقل عن 242 صحافيًا منذ بداية العدوان، في حصيلة هي الأعلى في تاريخ الحروب المعاصرة.
وتؤكد منظمات دولية، مثل لجنة حماية الصحفيين (CPJ) والنقابة الدولية للصحفيين (IFJ)، أن هذه الحرب هي الأكثر دموية على الصحافيين منذ بدء توثيق الانتهاكات بحق الإعلاميين قبل أكثر من ثلاثة عقود.
لم تكن هذه الاغتيالات نتيجة “أضرار جانبية” كما تدّعي الرواية الإسرائيلية، بل جاءت في كثير من الحالات نتيجة استهداف مباشر، عبر قصف منازل الصحفيين أو مكاتبهم أو مركباتهم أثناء أداء عملهم. وآخرها اغتيال الصحافي أنس الشريف وزملائه، في قصف تبنته تل أبيب رسميًا تحت حجج واهية، بينما يدرك كل متابع أن الهدف الحقيقي هو إسكات الصورة والصوت ومنع وصول الحقيقة إلى المنابر الدولية.
والأخطر أن الاحتلال لم يكتفِ بقتل الصحافيين، بل عمد في حالات عديدة إلى اغتيال عائلاتهم، في سياسة ترهيب ممنهجة تهدف الى كسر إرادة من تبقى على قيد الحياة منهم. هذه الاستراتيجية تهدف إلى ضرب الجبهة الإعلامية الفلسطينية الوحيدة المتبقية، خاصة بعد أن تم إخراج معظم وسائل الإعلام الدولية من غزة، أو منعها من الدخول، تاركًا الصحافي الفلسطيني وحيدًا في مواجهة آلة الحرب.
ولا يمكن تجاهل أن هذا النهج الإجرامي يمتد إلى خارج غزة، حيث سبق أن طالت آلة القتل الإسرائيلية صحافيين لبنانيين خلال تغطيات ميدانية في الجنوب اللبناني، في تكرار لسياسة إسكات الشهود.
وفق القانون الدولي، يُعد استهداف الصحفيين جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا للمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تضمن حماية الصحافيين في مناطق النزاعات. لكن أمام هذه الجرائم الموثقة، يكتفي المجتمع الدولي ببيانات شجب باهتة، فيما يواصل الاحتلال حربه على الكلمة والصورة بلا رادع.
إننا اليوم أمام لحظة حاسمة، فدماء أكثر من 240 شهيدًا من فرسان الكلمة والصورة في غزة، وصوتهم الذي لم يُكمل الرسالة، أمانة في أعناق كل من يزعم الدفاع عن حرية الصحافة. ومن هنا فإن المؤسسات الإعلامية الدولية مطالبة بالتحرك الفوري والضغط على الحكومات والهيئات الأممية لاتخاذ خطوات عملية، بدءًا من إرسال بعثات تقصي حقائق مستقلة، وصولًا إلى إحالة قادة الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية. كما أن المؤسسات الرسمية، العربية والدولية، مطالبة أيضا بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في حماية الصحافيين ومحاسبة القتلة، فالتاريخ لن يرحم من صمت أو تواطأ.
الحقيقة تُغتال في غزة، ومن يتقاعس عن الدفاع عنها اليوم، يفتح الباب أمام أن تُغتال في كل مكان اليوم قبل الغد .
The post إغتيال الصحافيين في غزة.. جريمة ممنهجة لإسكات الحقيقة!.. بقلم: عماد العيسى appeared first on .