بينما كان مسؤولون إسرائيليون يطلقون، يوم أمس، مواقف فيها الكثير من التهديد لسيادة لبنان ووجوده، كما لسيادة ووجود دول عربية أخرى، كان المسؤولون في لبنان يغرقون في صمتٍ مريب، في ظلّ تساؤلات وشكوك واسعة حول هذا الصمت، مقابل إستمرارهم بشكل لا يقل ريبة بالتمسك بتنفيذ ورقة مطالب الولايات المتحدة وإسرائيل بنزع سلاح المقاومة، إلى جانب إطلاقهم تصريحات صبيانية تُعبّر عن مراهقة سياسية وقلّة لياقة ديبلوماسية بحقّ زائر إلى لبنان لمجرد أنّه إيراني، وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني.
فقد أعلن الجيش الإسرائيلي أوّل من أمس أنّ رئيس هيئة الأركان العامة إيال زامير أجرى جولة ميدانية في جنوب لبنان برفقة عدد من قادة الجيش، ومنه أطلق تهديدات بحقّ لبنان ودول عربية أخرى، متحدثاً عن أنّ جيش الكيان الصهيوني “يخوض حرباً متعدّدة الساحات”، و”نشنّ هجمات بمبادرة منّا”، وأنّ سلاح الجوّ الإسرائيلي شنّ منذ التوصل إلى قرار وقف إطلاق النّار أواخر شهر تشرين الثاني من العام الماضي أكثر من 600 غارة جوية سقط بسببها مئات الشهداء والجرحى.
وقبل أن يغادر رئيس الأركان الإسرائيلي جنوب لبنان، التي يحتل جيش بلاده خمس نقاط فيه منذ قرار وقف إطلاق النّار، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يُفجّر مفاجأة من العيار الثقيل تركت تداعياتها المتفجّرة على مستوى المنطقة كلها، عندما أعلن بمقابلة تلفزيونية تأييده لما تسمى “رؤية إسرائيل الكبرى”، وشعوره أنّه يحمل “رسالة تاريخية وروحانية تتوارثها الأجيال” حول هذه الرؤية، التي تشمل بحسب المزاعم الإسرائيلية، فلسطين المحتلة، إضافة إلى الأردن ولبنان وأجزاء من سورية ومصر والعراق والسعودية والكويت، حيث يُروّج معهد “التوراة والأرض” الإسرائيلي، عبر موقعه الإلكتروني، مزاعم أنّ حدود إسرائيل التاريخية “تمتد من الفرات إلى النيل”.
وكما ساد صمت مريب أوساط أهل السّلطة وفريق سياسي واسع داعم لها حيال ما قام به وقاله رئيس أركان العدو إيال زامير خلال زيارته جنوب لبنان، ساد صمت مشابه ومشبوه حيال ما أدلى به نتنياهو باستثناء بعض المواقف الخجولة، برغم أنّ أغلب الدول العربية المعنية مباشرة بما أعلنه رئيس وزراء العدو شجبت أقواله وندّدت بها، كالسعودية والأردن ومصر والكويت والعراق، إضافة إلى جامعة الدول العربية، وغير المعنية مباشرة مثل قطر، لكنّ السّلطة في لبنان تعاطت مع الأمر وكأنّه أمر ثانوي أو أنّها غير معنية به، في حين تصبّ جلّ اهتمامها على إرضاء الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل لتنفيذ مطلبهما بنزع سلاح المقاومة، وتجريد لبنان من أيّ قوة يمكنها مواجهة التهديدات والإطماع الإسرائيلية، واستباحة العدو للبنان.
كلّ ذلك يدفع للقول: كان يجدر بلبنان الرسمي التوقف نهائياً، ومنذ زمن، عن محاباة الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل في تطبيق مندرجات القرار 1701 وقرار وقف إطلاق النّار قبل أن تلتزم به إسرائيل أولاً، والآن وبعد كلّ ما قيل من قبل المسؤولين في كيان العدو لم يعد هناك أيّ مبرر لأهل السلطة في لبنان الإقدام على أيّ خطوة من شأنها أن ترضي هذا العدو، لأنّ ذلك يعني تنازلاً وإذلالاً لا يمكن القبول به بأيّ شكل. فهل تقدم الحكومة على اتخاذ قرار تستعيد فيه الحدّ الأدنى من سيادة وكرامة البلد التي تهدر يومياً إرضاءً لهذا العدو ومن يواليه؟.
موقع سفير الشمال الإلكتروني