فيروز بعد رحيل الابن الصديق تخوض معركة جديدة من ضمن معاركها مع الحياة...!
فيروز تجلس في مكان من ضباب لتكمل تطريز خيوط الأوجاع شالاً يحميها من ظلمة الأيام...!
الكل غادر...
الضجيج سكت
الأجراس انهكت
المقاعد تنتظر المقاعد
المكان يرتدي الصمت، والكلام يجادل النميمة، والنميمة شريكة افعال الكلام!
الحضور... إلى عالمهم...
وبقيت فيروز وحيدة تلوح لروح صعدت السماء...
فيروز بعد زياد...سكنت العزلة لتراقب العمر وتحيك الزمن، وتسأل الجدران عن ملامح تحبها سجنت في صورة!
ذاكرة فيروز اليوم في صور متناثرة، تستطيع توحيدها لحظة تشاء مصحوبة دمعة أكبر من العين، ودموع فيروز بعد زياد ناطقة بهموم من رحل، ومنكوشة بالحلم الذي تكسر على أعتاب عمرها، وعمرها مطرز في ناطورة المفاتيح، ومفاتيحها أحباب سرقتهم الشمس إلى عتمة تستقر في نور !
في المساء...
دخلت الصابرة فيروز غرفتها وحيدة، الجو كئيب، والكتب منهكة، والمكان موحش، والنغم اغتيل، والكلام يهجر الكلام، والنطق أصبح نظرات ودموع...!
غادروها لتعود إلى الوحدة التي اعتادتها، ووحدتها هنا موجعة، فيها ألم الفراق، وفراق فيروز يختزل الحياة حينما تحن إلى فتح خزنة تتوجع، إنها خزنة من رحل...
هنا تنهدت فيروز، مسحت الزمن، واضافت مفتاحها الجديد على مفاتيحها القديمة، إنه زياد الرحباني...واعادت العد، والرقم الجديد كان صافعاً!
نظرت المنكوبة الأم فيروز الصامتة في الشكل، والمنتفضة في داخلها، تريد أن تشعل نار البرد، وتضرب برد النار...هل شاهدتم إمرأة يسكنها البرد والنار من حولها؟
نعم هي المتحدية فيروز، وفيروز متحدة مع كل صفعة وغابة موجعة...!
نظرت فيروز المنهكة من أطول يوم في وجودها، نظرت إلى الوقت، فالواحدة فجراً، لقد اقتربت لحظة التواصل، شعرت بالساعة ترتجف، اتصلت على هاتف زياد الذي تعرفه!
مقفل... زياد خارج اللحظة، واللحظة معجوقة ومشغولة بزياد الرحيل...
فيروز المتعبة من دنيا الوداع، فيها أوجاع الدنيا، ولكن كبرياء المرأة جعلها تتحمل المعزين، ومن جاء للمشاركة!
تصالحت بسرعة مع زاوية الكنيسة، تحدثت إلى مقعدها، استوعبت المتطفلين، ومن يدعي المحبة، ذهبت إلى زياد ونحن نجدها جالسة في مكانها، لكنها تعود لتمسح دموعها، وما أصعب أن تدفن الأم ضناها، وكيف إذا كانت الأم ناطورة الصبر، وصبرها بما تمتلك من مفاتيح، وكان الولد الطفل المعجزة زياد عاصي الرحباني...!؟!
فيروز...هي ما تبقى من وطن لا يعرف إنها الوطن، فيروز المنحنية جسداً فرضت منا أن نكون معها ومن حولها، وأن نعيد زراعتها في القلب والفكر، ونطلب منها السماح على العيش في وطن النباح، فوطن فيروز أجمل فصول الأوطان، ومن حولها جنود من فرسان الحقيقة، لكنهم يتساقطون في بئر الموت حتى يصعدوا السماء...!
في زاوية المكان حيث جلست الأم الصابرة فيروز كان الكون بكل تناقضات الوجود، لم تقدم أوراق التظلم، بل تحدثت إلى الرب، ومن ثم أعادت استكمال الجلسة بثقة المفجوعة...لقد قررت أن تخوض حربها المقبلة!
فيروز إن شردت ونحن ننظر إليها، تكون مشغولة بتنظيف الغبار عن وجود زياد، كان لوجودها معنى، وزياد المعنى ...كان زياد لفيروز بلادها وحكاية تنتظر منه أن يكمل فصولها، فاختار النهاية المظلمة لحدود من فراق، وزياد لأمه وشقيقته وشقيقه الدور والحدود، وحدوده الزمن الذي يعيشونه، ولكن زياد الشقي سرق الزمن والحدود ورحل!
قاسية الأيام على فيروز التي نحب، وفي وداع زياد كانت هي التي نُحب، وهي اللوحة، وهي الأم، وهي القوية الضعيفة!
سلاح فيروز اليوم عصا ريما، ومفتاح زياد، والانتظار!
وريما من حولها كالنحلة المستعدة المشاكسة..
الحمل كبير على ريما...ريما جبل النظرات الصارخة، انفعالية المراقبة الثائرة من داخل الروح، والروح تتصارع مع الجسد، وجسد ريما مكون من أوجاع الكون في الأب والشقيقة والشقيق والشقيق والأم والفنانة وكل الحقيقة، وحروب من هنا وهناك...
ريما وأنا انظر إليها شعرت بأن الكون يصغر في وجودها، كون ريما أصبح الأنتضار والصبر والقرار، وإضافة إلى براكين الاهتمام حتى تذوب الشموع!
لم أكن أحب ريما...اليوم أنا ريما، ومع ريما، والله يكون بعون ريما...