“ومن يوم هالغيبة الله يسامحك عم فرفط بهالفلّ عم قطّف ريحان..
عم بستعير من السما اجمل لوان وخرطش ع هالحيطان انّو ملامحك..
وهالقلب عم حفّو على جرين السرير
عم مرمغو بلعبك بمطارحك بفراشك
بريحة ريشات جوانحك بغبرة حوافر حصانك هالزغير يا ابني”.
وكأني بهذه الكلمات التي غنتها فيروز، اسمعها ترثي ابنها زياد، ذاك العبقري الذي مرّ ذات يوم في وطننا، ووحده دون سواه، فهمه كما يجب فكان “ذاكرة الوطن”.
ودّع لبنان امس، الكبير زياد الرحباني في مأتم مهيب انطلق من امام مستشفى خوري في الحمراء وصولاً الى كنيسة سيدة الرقاد في المحيدثة، كيف لا والمصاب جلل، فزياد فقيدنا كلنا من دون استثناء، نحن الذين تشرّبنا موسيقاه والحانه منذ نعومة الاظافر، وحفظنا كلمات اغنياته ومسرحياته في شارع الحمراء، ولطالما تسمرنا امام الشاشات لمتابعة مقابلة له، رغم ضآلة اطلالاته الإعلامية، كيف لا تكون الجنازة عظيمة والفقيد شخصية استثنائية بحجم وطن؟.
ابن عاصي الرحباني وفيروز الذي انتمى باكراً الى الحزب الشيوعي، لطالما تميز بتقديم اعمال خارجة عن المألوف، مشكّلاً بذلك “ستايلاً” خاصاً به ومغرّداً خارج سرب “الأخوين رحباني”.
من “المحطة” كانت الانطلاقة المسرحية، لتليها سهرية، بالنسبة لبكرا شو، نزل السرور، فيلم أميركي طويل، بخصوص الكرامة والشعب العنيد، ولولا فسحة الامل. ومن إذاعة “لبنان” الى “صوت الشعب” اشتهر زياد الرحباني ببرامج طغت عليها المواقف السياسية والاقتصادية المدافعة عن الشعب ومصالحه، ناهيك عن دعمه الدائم للمقاومة بوجه الاحتلال الإسرائيلي، هو القائل “ما فيك تبني بلد وإسرائيل عالباب، ما فيك تعمل عدالة وحرية وهني بيخلوك تختار بين امنك وبين كرامتك”.
الى الموسيقى تأليفاً وتلحيناً، مزج زياد الرحباني الموسيقى الشرقية بالجاز الذي اتقنه، فترسخت اغانيه والحانه في قلوب وعقول العالم العربي اجمع. فغنّى له العديد من الفنانين اللبنانيين والعرب. و “فيروز” الحاضرة الاكبر في قلب زياد وعقله، كتب ولحّن، لها العديد من الأغنيات التي لا زالت تلوّن صباحات أيامنا.
وعلى وقع الحانه ونثر الورود، جال نعش زياد الرحباني امس في شوارع بيروت وصولاً الى مثواه الأخير، هو الذي اختار الرحيل لأنه استشرف ربما بأنّ الزمن لم يعد “زمن زياد”، و”الفيلم الأميركي الطويل” قد اقترب من نهايته بما لا يتناسب مع ما يريده للبنان، ففضل الاكتفاء بما شهده من فصول، وبهدوئه المعتاد اسدل الستارة على المشهد الأخير.
وامس، بين زحمة الوجوه والاصوات، وحدها كانت هناك، “الام الحزينة” فيروز واقفة امام نعش ابنها بهدوء وصمت ورقيّ، تناجيه وتبكيه بقلبها، وامام مشهدها هذا بكت عيوننا والقلوب، وكأن الزمن توقف عند هذه اللحظة.
بغياب زياد الرحباني يغيب “صوت الشعب”، غير ان أفكاره والحانه ستبقى ترافقنا مدى الدهر. وكلمة حق تقال ولو عند الغياب: شكراً زياد الرحباني لأنك كن نسختنا “الأكثر جرأة” فكنت القادر على قول كل ما يختلج في نفوسنا، والعارف بمآل الأمور. اما نحن فإلى ان يقضي الله امراً كان مفعولا سنبقى نردد “بالنسبة لبكرا شو؟”.
موقع سفير الشمال الإلكتروني