لم يتوقع أحد أن تستقبل بلدة القبيات ابنها الأسير المحرر جورج عبدالله بحياءٍ وخجل، وانقسام سياسي وعامودي في المواقف والتصريحات، بشكل فاضح يعكس مدى الانقسام السياسي في البلد.
مُنع جورج بعد 41 عاماً من اللقاء العفوي مع محبيه ورفاقه، ومُنع من التصريح بحرية بعد أن سمع “وصية العائلة والبلدة” التي تغلي على وقع الانقسام، تحديداً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي يعتبر جزء كبير من الموارنة من أبناء القبيات أنها لا تعنيهم. فشدد في كلمة مقتضبة له من داخل المركز الثقافي على أهمية الوحدة الوطنية، وعلى التمسك بوحدة مكونات بلدة القبيات، مشيداً بدور الجيش اللبناني وقدرته على صدّ العدوان وحماية لبنان.
بدلاً من استقبال احتفالي يليق بعودة مناضل أمضى أكثر من أربعة عقود في السجون الفرنسية، خضع الحدث لشروطٍ من قبل بلدية القبيات ولجنة المتابعة، تضمنت منع رفع الأعلام، وحظر ارتداء الكوفية الفلسطينية، والتضييق على الصحافيين والتصريحات، وسط تساؤلات عن الدوافع وراء هذا التشدد.
في المقابل، توافد المناضلون من مختلف المناطق، يتقدمهم الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، والمسؤول السياسي في الحزب د. حسن خليل، ومسؤول الشيوعي في عكار كامل منصور، إلى جانب عدد كبير من الرفاق الذين حرصوا على مشاركة عبدالله لحظة العودة، حاملين معه رمزية النضال وسنوات السجن الطويلة.
هذا الحضور عوّض إلى حد ما غياب الأطر الرسمية، ورسخ مشهدية الوفاء لرمز نضالي لطالما شكّل نقطة التقاء لقوى اليسار اللبناني.
جورج عبدالله الذي عبّر بحرية عن مواقفه في مطار رفيق الحريري الدولي فور وصوله، وجد نفسه مقيداً عند عودته إلى بلدته.
وبين خطاب مطار بيروت الذي حمل لغة المواجهة والرفض لإسرائيل و”الردة الصهيونية العالمية”، وبين كلمته المقتضبة في القبيات التي ركّزت على الوحدة الوطنية والتمسك بالجيش اللبناني، ظهر الفارق جلياً، وكأن بلدة المناضل لم تكن مستعدة بعد لاستيعاب رمزيته أو حتى مساحة حريته الكاملة في التعبير.
في كلمته الأخيرة من داخل المركز الثقافي، أكد جورج عبدالله على أن القبيات ستبقى حصناً في وجه الصوملة، مشدداً على أن لبنان لا يبنى إلا بوحدته الوطنية وبالتمسك بجميع طوائفه ومذاهبه ومكوناته.
ودعا إلى الوقوف في وجه كل مشاريع التفتيت، وأعاد التأكيد على دعم الجيش اللبناني باعتباره الضامن الوحيد لحماية الكرامة والسيادة.
وأكد عبدالله أن “القبيات هي رمز لهذه الوحدة، وتراثها هذا في كل مراحل لبنان”، وختم، تاركاً وراءه مشهداً معقداً بين الوفاء النضالي والانقسام المحلي، وبين قصة حرية طال انتظارها… واستقبال لم يُنصف تضحيتها.
وكان عبدالله قد وصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي صباح الجمعة، حيث أدلى بتصريحات نارية فور خروجه من السجن الفرنسي بعد 41 عامًا من الاعتقال، مؤكدًا أن “المناضل يصمد داخل الأسر بقدر ما يحتل رفاقه الموقع الأساسي في المواجهة”، وموجهًا انتقادات للعجز العربي تجاه ما يجري في غزة، مشيرًا إلى أن “إسرائيل تعيش فصلها الأخير”، وأن “المقاومة هي الطريق الوحيد لحماية الكرامة واستعادة الحقوق”.
موقع سفير الشمال الإلكتروني