مئات القتلى وقرابة ألف جريح هي حصيلة حرب الجيل الثانية التي شهدتها محافظة السويداء في جولتها الثانية، مستعيدة مشاهد حرب الجبل الأولى عام 1983 في لبنان، حيث قاتل جماعة رئيس الجمهورية أمين الجميل آنذاك لفرض هيمنتهم على الطائفة الدرزيّة وفق منطق الاستعلاء الطائفي والحزبي والاستقواء بالاحتلال الإسرائيلي، واستنهضت الاعتداءات والاستفزازات مواجهة درزية لم تلبث أن تحوّلت الى حرب حقيقية انتبه الاحتلال الإسرائيلي لإدارة التوازنات فيها والتلاعب بخيوطها وخطوطها، وهو ما يفعله اليوم في السويداء، حيث بدت خطوة حكومة دمشق بإرسال قواتها الى السويداء ترجمة لتفاهمات أعقبت اجتماعات باكو الاستخبارية السورية الإسرائيلية، وهو ما أوحت به البيانات الإسرائيلية التي اختلفت نبرتها أول أمس عن سابقاتها لجهة أظهر التنسيق مع حكومة دمشق ودعوة أهالي السويداء للتعاون مع حكومة دمشق، لكن ذلك لم يستمرّ بعدما وصلت قوات الحكومة الى السويداء، ولعبت قوات الاحتلال لعبتها بجعل الطرفين المتقاتلين رهينة لإدارتها للتوازنات وخطوط النار وترسيم حدود القوة، وجاءت الغارات التي شنتها قوات الاحتلال على مقار وزارة الدفاع ورئاسة الجمهوريّة رسائل نارية صاخبة راعت عدم التسبّب بسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، حيث قالت وزارة الصحة إن الحصيلة كانت قتيلاً واحداً وتسعة جرحى فقط، ما يؤكد أن الهدف كان رسالة سياسية ومعنوية شديدة اللهجة فرضت انسحاب القوات المهاجمة من السويداء والقبول باتفاق بشروط سكان السويداء، قبله بعضهم ورفضه بعض آخر يتقدمه شيخ العقل حكمت الهجري، وظهرت سورية عرضة لتفكيك منهجي مع مئات القتلى وقرابة ألف جريح سقط أغلبهم في أعمال انتقامية طائفية.
خروج القوات الحكوميّة بصورة مهينة من جنوب سورية بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت دمشق، طرح السؤال حول مستقبل سورية ووحدتها، حيث الجرح لم يندمل في الساحل والتفاهمات تبدو مستعصية مع قوات سورية الديمقراطية شرقاً، وهيبة الحكم تتراجع مع الإكثار من الحديث عن نوايا ملاحقة المرتكبين ثم تكرار الارتكابات نفسها في كل مرة، وظهور القوات الحكومية مجاميع طائفية منفلتة لا تشبه الجيوش بشيء.
في لبنان اختتمت المناقشة العامة للحكومة في مجلس النواب بالتصويت على طرح الثقة من قبل تكتل لبنان القوي الذي يترأسه النائب جبران باسيل، بعدما كان تقدم بسؤال قرّر تحويله إلى الاستجواب وطرح الثقة على أساسه بالحكومة، وجاءت الحصيلة 69 صوتاً لتجديد الثقة بالحكومة و9 لحجبها و4 امتنعوا عن التصويت، لكن التصويت فتح العين على احتمال تكرار العملية في جلسات قادمة وربما بدراسة حال إحدى الوزارات وأداء الوزير فيها والتحضير المسبق لطرح الثقة ببقائه في الحكومة.
وفيما أنهى مجلس النواب جلسات مساءلة الحكومة على مدى يومين بتجديد الثقة بها، طغت الأحداث السورية على المشهد الداخلي اللبناني وتداعياتها المحتملة على لبنان، إن لجهة توسيع العدو الإسرائيلي عدوانه باتجاه لبنان أو انتقال شرارة المعارك في السويداء الى بعض المناطق اللبنانية، كما حذّر شيخ طائفة الموحدين الدروز في لبنان سامي أبو المنى.
وأدان رئيس الجمهورية جوزاف عون، بـ»أشد العبارات الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية»، معتبرًا أنها «تُشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة عربية شقيقة وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة». وأكد الرئيس عون، في بيان، أنّ «استمرار هذه الاعتداءات يُعرّض أمن المنطقة واستقرارها لمزيد من التوتر والتصعيد»، مُعرباً عن تضامن لبنان الكامل مع سورية شعباً ودولةً.
بدوره، أشار رئيس الحكومة نواف سلام، في بيان الى أنه «عدوان صارخٍ على سيادة سورية وانتهاكٍ لأبسط قواعد القانون الدولي». فيما أدان «حزب الله»، بـ»شدة العدوان الصهيوني الغاشم الذي استهدف سورية الشقيقة، في اعتداءٍ صارخ على سيادتها الوطنية وعلى المدنيين الآمنين فيها، وانتهاكٍ فاضح للقوانين والأعراف الدولية، واستكمالٍ لمسلسل الاعتداءات المستمرّة التي ينفذها العدو الإسرائيلي على لبنان وفلسطين واليمن والتي قام بها على إيران». ولفت الحزب، إلى أن «هذا العدوان الجبان ما هو إلا حلقة جديدة من مخططات العدو الصهيوني لاستباحة الدول وزرع الفتن والانقسامات بين أبناء الشعب الواحد، محاولًا تقديم نفسه كمنقذ أو ضامن لأمن الشعوب، في الوقت الذي يشكّل هو الخطر الأكبر عليهم وعلى أمن المنطقة واستقرارها».
وقال «لقد أثبتت التجارب أن هذا العدو لا يحترم عهدًا ولا يلتزم بأي اتفاق، ولا يفهم إلا لغة القوة، فهو لا يرى في الشعوب والدول إلا أدوات لخدمة مشروعه الاحتلاليّ الاستيطانيّ، ولا يريدهم إلا ضعفاء وخاضعين».
ودعا الحزب، شعوب أمتنا العربية والإسلامية إلى «اليقظة من مخططات هذا الكيان المارق، الذي لن يتورع عن محاولة ابتلاع الجميع متى سنحت له الفرصة، وأن الموقف الواضح والحازم بمقاومته والتصدّي له يشكل الضمانة الوحيدة لحفظ وحدة أمتنا وكرامتها وسيادتها واستقلالها».
من جهته، قال شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، إلى «أننا لا نكتفي بكلمات الإدانة لأن ما حصل في سورية جريمة بحق أهلنا في السويداء»، مشددًا على «أننا نخشى أن ينتقل الأمر إلى لبنان نتيجة ما يحصل في سورية ونرفع الصوت لمعالجة ما يحصل في السويداء كي لا ينسحب إلى لبنان».
الى ذلك، أفادت غرفة التحكم المروري بقطع السير على الطريق الدولية محلة ضهر البيدر – مفرق الصحة بالاتجاهين.
وحذرت مصادر نيابية من الأخطار المحدقة بلبنان في ضوء التصعيد الإسرائيلي في سورية في إطار حياكة المخططات ورسم الخرائط خلال لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيمين نتنياهو في الولايات المتحدة والاجتماع السوري – الإسرائيلي في أذربيجان وكلام المبعوث الأميركي توم برّاك الأخير عن ضم لبنان الى بلاد الشام وإشعال حرب أهلية فيه إذا لم يسلم حزب الله سلاحه وتلتزم الدولة بالشروط الأميركية الإسرائيلية، ولفتت المصادر لـ»البناء» الى تهديد جدي بتغيير خريطة لبنان وقضم وضمّ مدن فيه الى بلاد الشام، أو تلزيم لبنان الى سورية، مذكرة بإسقاط دول قوية في المنطقة كالدولة العراقية والسورية ثم ليبيا والسودان والصومال وذلك لتفتيت دول المنطقة وإضعافها وإخضاعها وتصفية القضية الفلسطينية، والآن جاء دور لبنان حيث يتم وضعه بين خيارين نزع السلاح والحرب الأهلية أو تلزيم لبنان إلى النظام في سورية، وذكرت المصادر بإشعال الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975 والأحداث الأمنية في أواخر الثمانينيات بعد تهديدات أميركية مماثلة بإشعال الحرب والفوضى أو تنفيذ الشروط الإسرائيلية.
وفي سياق ذلك، أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الى أن «اللحظة لحماية رأس لبنان وسط حريق وخراب يطال قلب المنطقة وأطرافها عبر خرائط أميركية إسرائيلية مجنونة تعمل على تمزيق المنطقة وإنتاج سايكس بيكو بقوة النار والدمار والمجازر وبطريقة تخدم فقط واشنطن وتل أبيب، والعرب ومجلس التعاون والجامعة العربية مهددون بأسوأ خرائط غامضة ومفاجئة ضمن دوافع وأساليب لا سابق لها على الإطلاق، ولا أمان في الشرق الأوسط كله، وإنتاج التاريخ يبدأ من الخيارات الكبيرة وحالاً، ولبنان جزء من البلدان التي تلتهمها نيران الخرائط وخرابها، والحكومة اللبنانية مشلولة ولا وجود لها بعالم المسؤوليات الوطنية».
وعلمت «البناء» أن لجنة المستشارين الممثلة للرؤساء الثلاثة اجتمعت أمس الأول، في بعبدا ودرست الرد الأميركي على ورقة الملاحظات الأميركية، ووضعت جملة استيضاحات وشروحات وأطلعت الرؤساء عليها، على أن يصار الى إرسالها للأميركيين. ووفق المعلومات فإن الرد الأميركي يتركز على ملف حصرية سلاح حزب الله لجهة وضع إطار لإنهاء هذا الملف مع مهلة زمنية معينة لا تتعدّى نهاية السنة مع مراحل لتحقيق الهدف ثم وضع آليات تنفيذية لذلك. وبحسب المعلومات فإن الرد الأميركي لحظ تفهماً أميركياً للملاحظات اللبنانية لا سيما مسألة التزام لبنان بكل موجباته في منطقة جنوب الليطاني وفق القرار 1701 وإعلان وقف إطلاق النار، مقابل عدم التزام إسرائيل بشيء واستمرار عدوانها على لبنان، ما يستوجب وفق الموقف اللبناني من الأميركيين الضغط على «إسرائيل» للانسحاب ووقف الخروقات حتى يبادر لبنان بخطوة على صعيد حصرية السلاح.
ولفتت أوساط رسمية لــ«البناء» الى أن المباحثات مع الأميركيين لم تنتهِ وستستمر حتى عودة المبعوث الأميركي توم براك الى لبنان، مشددة على أن الموقف اللبناني موحّد وفور الاتفاق الكامل على بنود الورقة ستطرح على مجلس الوزراء لمناقشتها، لكن المصادر أكدت أن لا موعد محدد حتى الساعة لزيارة براك الى لبنان.
وشدّد عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي حسن خليل، في كلمته خلال جلسة مجلس النواب، أننا «لم نشعر أن الحكومة تتصرّف بمسؤولية وتتحرّك بجدية لمنع سقوط اتفاق وقف إطلاق النار، فعليها أن تُشعر اللبنانيين أنهم ليسوا رهائن وأن تعقد ولو اجتماعًا واحدًا مع الجهات المسؤولة لبحث إعادة الإعمار». وأوضح خليل أنّ «المقاومة لم تكن يوماً مشروعاً قائماً بذاته، بل هي ردة فعل أتت عندما عجزت منظومة الدفاع الوطني عن حماية السيادة خاصة في الجنوب»، مؤكدًا أنّ «النقاش المفتوح حول السلاح يجب أن يُستكمل ولكن بمسؤولية».
وكان مجلس النواب ناقش الحكومة لليوم الثاني على التوالي، وبناء على طلب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وبعد كلمة رئيس الحكومة نواف سلام، طرحت في نهاية جلسة مساءلة الحكومة في مجلس النواب، الثقة بها، على التصويت، فحصلت على 69 صوتًا مع الثقة، 9 لا ثقة و4 ممتنع، فيما سجل تراجع القوات اللبنانية عن موقفها الناقد للحكومة ولرئيس الجمهورية بموقف السلاح وجددت الثقة بالحكومة، ما دفع بأكثر من نائب من كتل نيابية مختلفة لاتهام القوات باعتماد الخطاب المزدوج، الأول في الإعلام للمزايدات السياسية والشعبوية والثاني يتّسم بالواقعية.
وكان سلام قال في كلمته رداً على مداخلات النواب «نجدّد التزامنا وإصرارنا على الإصلاح والإنقاذ ولن نوفر جهداً لحشد الدعم العربي والدولي للضغط على «إسرائيل» بالانسحاب من الأراضي اللبنانية ووقف اعتداءاتها». وقال: الجميع يعلم أن الجيش أنجز الكثير من حيث بسط سيادة الدولة على أراضيها في جنوب الليطاني والحكومة مصرّة على مواصلة العمل من أجل بسط سيادة الدولة على مناطق شمال الليطاني كما جنوبه. وضعنا خطة متكاملة لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم وسمّيناها «آمنة ومستدامة». ما جاء في خطاب القسم والبيان الوزاري ليس مجرد إعلان نوايا بل إنه التزام وقرار لا لبس فيه ولا رجعة عنه. ولفت إلى أن «مؤسسات الدولة كانت قاصرة عن القيام بواجباتها، والسعي بالوفاء بتعهداتنا يُحيط به الضغوط لكنّنا نُجدّد التزامنا وإصرارنا على الإصلاح والإنقاذ». وأشار إلى أن «هناك 16 ألف طلب تم تسجيلها خلال الأيام الـ10 الأخيرة لعودة نازحين سوريين إلى بلادهم».
التعيينات قال: «وضعنا أسماء المرشحين إلى الوظائف العامة على أساس الكفاءة والتنافس واحترام المناصفة». وأوضح أن «الحكومة وضعت نصب أعينها حقوق المودعين كأولوية مطلقة وكانت تعي منذ اليوم الأول بأن إحقاق حقوقهم يستدعي إدخال الشفافية والانتظام إلى القطاع المصرفي». ولفت إلى أن «الحكومة تناقش إمكان توقيع اتفاقيات لإنشاء معامل كهربائية تعمل على الغاز». وأكد أن «المفاوضات بشأن مشروع «ستارلينك» ما زالت مستمرة». وأوضح أن «الوزارة تعمل بعيداً من الترقيع على معالجة حوكمة القطاع المشرذمة حالياً بين مركزية ولا مركزية وتعمل على تحديث الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة». وبالنسبة إلى عدم وضع خطة للكهرباء قال: «واثق بأن ما سنفيدكم به سيُريكم عكس ذلك».
وبعد الجلسة التي تحدث فيها عدد من النواب وتخللها إشكال كاد يتطور الى تضارب بين النائبين احمد الخير وسليم عون، أشار نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان الى أن «كتلة «الجمهورية القويّة» جدّدت الثقة بالحكومة على أساس جواب رئيس الحكومة وسلام قال إنّ حصر السلاح مبتوت والحكومة ستُقدم عليه». وشدّد على أنّ «رئيس الجمهوريّة يقوم بدوره كاملاً ونعطيه الثقة الكاملة».
في المقابل أشار باسيل بعد جلسة مجلس النواب الى ان «النظام الداخلي في مجلس النواب يستوجب أن تجيبنا الحكومة على أسئلتنا خلال 15 يوماً، لكن هذا الأمر لم يحصل». وتابع باسيل: «سلام تحدث عن خطط «لم نرها» وأجوبة الحكومة لم تقنعنا وكلّ المداخلات التي انتقدت الحكومة شعبويّة». وأضاف: «مستمرون بمعارضتنا الإيجابية وسنضيء على الممارسات والتقصير».