لطالما سلطت “” الضوء على واقع نهر أبو علي، هذا المعلم الطبيعي والتاريخي الذي ارتبط بذاكرة المدينة منذ العهد المملوكي، والذي عانى طويلاً من الإهمال والتلوث والاعتداءات المتكررة على مجراه. وعلى الرغم من محاولات التنظيف المتقطعة في العهود البلدية السابقة، فإن غياب الآليات الرادعة والخطط المستدامة حال دون إحداث تغيير حقيقي، ما أبقى النهر رهينة الفوضى البيئية لعقود.
لكن هذه الصورة بدأت تتغير أخيرًا. فللمرة الأولى، يشهد نهر أبو علي حملة تنظيف شاملة، تقودها بلدية طرابلس بعد إنتخاب رئيسها الجديد الدكتور عبدالحميد كريمة بالتعاون مع شركة “لافاجيت”، وتشمل إزالة النفايات، والردميات، والأوساخ المتراكمة على امتداد مجرى النهر و الأهم أن هذه الحملة لا تقتصر على التنظيف فقط، بل تتوَّج بتركيب كاميرات مراقبة في مواقع على طول النهر، بهدف ضمان استدامة النظافة وردع المخالفين.
في حديث لـ “”، أكد رئيس بلدية طرابلس، الدكتور عبد الحميد كريمة أن “التحدي الأول الذي واجهناه كان تنظيف مجرى نهر أبو علي، وقد بدأنا فعليًا بتنفيذ خطة متكاملة أعددناها بالتعاون مع شرطة البلدية، والمخاتير، وعدد من الفاعليات وأهالي المدينة”.
وأضاف: “قمنا بتركيب عدد من كاميرات المراقبة في مختلف زوايا مجرى النهر، وبدأنا نلمس التزامًا لافتًا من العربات التجارية المحيطة، وكذلك من المواطنين الذين أبدوا حرصًا على النظافة العامة. ما تحقق حتى الآن يمنحنا أملًا كبيرًا، ويعكس رغبة حقيقية لدى الطرابلسيين باستعادة بيئتهم ومرافقهم”.
وشدد الدكتور كريمة على أهمية استمرارية الرقابة، قائلاً: “النظافة وحدها لا تكفي، لا بد من وجود سلطة تراقب وتفرض النظام. لذلك نحن بصدد إطلاق خطة تهدف إلى حماية النهر بشكل دائم، وتشمل فرض عقوبات وغرامات صارمة بحق كل من تسوّل له نفسه التعدي على النهر أو رمي النفايات فيه. نرفض رفضًا قاطعًا أن يعود نهر أبو علي إلى مربع التلوث والإهمال، وملتزمون بحمايته كجزء من ذاكرة طرابلس ومكانتها.”
أثارت الحملة ارتياحًا واسعًا بين المواطنين، الذين رأوا فيها خطوة طال انتظارها. فقد عبر كثيرون عن دعمهم للمبادرة، واعتبروها دليلاً على أن طرابلس بدأت تسير في الاتجاه الصحيح.
أحد أصحاب المحال التجارية المحيطة بالنهر قال لـ “”: نهر أبو علي لم يكن مجرد مجرى مائي، بل هو جزء من هوية المدينة. الإهمال الذي طال النهر خلال السنوات الماضية كان مؤلمًا لنا جميعًا، واليوم نشهد خطوة مهمة تعيد الحياة لهذا المكان. تركيب الكاميرات هو حل عملي ورادع لكل من يفكر بالتعدي على النهر.”
من جهتها، قالت أم عمر، وهي سيدة تقطن بجوار النهر: “لطالما طالبنا المعنيين سابقًا بتنظيف النهر، لما كان يسببه من أضرار بيئية وصحية لنا ولأطفالنا. الخطوة التي قامت بها البلدية اليوم تُعتبر رسالة لكل الطرابلسيين بأن مدينتنا تستحق الاهتمام والرعاية. أتمنى أن تستمر هذه المبادرات، وأن تمتد لتشمل مناطق وأحياء أخرى بحاجة للتطوير.”
يبقى التحدي الأهم بعد هذه الحملة هو الحفاظ على ما تحقق، وتحويل النظافة من فعل موسمي إلى ثقافة يومية، تُرسّخ عبر الرقابة، والتوعية، والمحاسبة فالرهان لا يقتصر على تنظيف نهر، بل على استعادة مدينة لهويتها، ومكانتها، وبيئتها التي لطالما شكّلت عنصرًا من عناصر فخر أهلها.
موقع سفير الشمال الإلكتروني