حين يُنتخب رأس الكنيسة، تتجه أنظار العالم إلى الفاتيكان، لا بدافع الفضول فقط، بل لأن في هذا الانتخاب إشارات عميقة لما سيكون عليه صوت الكنيسة الأخلاقي في زمن مضطرب.
إنّ البابا لاون الرابع عشر، القادم من عالم اللاهوت والرعاية في أميركا اللاتينية، ليس مجرد خليفة لبطرس، بل حامل رؤية واضحة: الايمان يجب أن يعود إلى الإنسان.
فمنذ لحظة انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، بدا الرجل متمسكًا بخطّ البابا فرنسيس، وجريئاً في تأكيده على أن الكنيسة ليست سلطة فوق البشر، بل ملجأ لهم.
هذا البابا لم ينطق بلغة الإدانات، بل بلغة المحبة، لم يُلقِ المواعظ على منبرٍ عالٍ، بل كان يجلس إلى جانب المنكسرين، وان مواقفه المؤيدة للمهاجرين، ودفاعه عن الفقراء، ومواجهته النبيلة في وجه الاستفزازات السياسية، وتواضعه في استقبال المهمّشين، كلها ترسم معالم عهد جديد: عهد الإيمان المتجسد في الرحمة، لا في السلطة ليؤكد على العلاقة الإنسانية لأن الدين ليس وسيلة للتمييز بين البشر بل هو دعوة للخروج من الذات نحو الآخر دون رفع الشعارات المسيحية ودون تبني السياسات العنصرية، أيًا يكن لون الآخر أو دينه او طائفته أو جنسه أو وطنه.
ليس غريبًا عليه أن يؤكد في أحد خطاباته أن “الكنيسة ليست حارسة إيمانٍ محنّط، بل هي جسد حيّ يسير مع الشعوب، ويغسل أرجل المتعبين.” هذه العبارة تختصر تحوّلًا لاهوتيًا عميقًا: من الكنيسة كحصن طقسي إلى الكنيسة كرفيق في الوجع الإنساني.
الإيمان، كما يراه ليو الرابع عشر، ليس تكرارًا لفرائض محفوظة، بل اختيار وجودي: أن تكون في صفّ الإنسان، أن تُحسن حين يسود الجفاء، أن تقول “نعم” للحياة حين يهيمن منطق الموت.
نحن أمام “البابا” الذي لا يبحث عن استعادة أمجاد الماضي، بليبحث عن معنى جديد للإيمان في عالم المادة والسياسة، والسهو عن القيم الإنسانية وعن الإنسان معاً.
من ماضيه نرى أن مشروعه الكنسي ليس إصلاحيًا فقط، بل وجوديًا: أن يعود الإيمان إلى وظيفته الأولى، أن يُنقذ الإنسان من العزلة، ويُحرّره من العنف باسم الله الذي لا يُقصي أحدًا ويعيد السلام الى القلوب بعد أن تصدّعت القيم، وتساوت شعارات التديّن بدلاً عن الايمان لأن الإيمان حين يفقد انسانية الإنسان، يفقد معناه.
هل نتعلّم من الله الذي يسكن في قلب الجائع، والفقير، والمظلوم والمهجّر، أم نبقى فكرة بلا روح؟
هل يبقى الانسان خارج الايمان كلّما مرّ على المتألمين دون أن يراهم، أم نسعى مع قداسته الى السلام من اجل الانسان.؟
الكاتب: أنطوان عيروت
نقيب محامين سابق
موقع سفير الشمال الإلكتروني