شهدت مدينة طرابلس اليوم حدثًا ديمقراطيًا بارزًا حيث تم إجراء الانتخابات البلدية وسط تحديات اقتصادية واجتماعية متلاحقة. لكن، من بين أبرز القضايا التي تتطلب اهتمامًا فوريًا، هو ضمان حق المشاركة الفعّالة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في هذا الاستحقاق الديمقراطي الهام فالمشاركة السياسية ليست مجرد حق، بل هي واجب ومسؤولية تضمن للأفراد دورهم الكامل في المجتمع، ويجب أن تشمل جميع المواطنين.
تميزت الانتخابات البلدية في طرابلس هذه المرة بمؤشرات إيجابية نحو تعزيز الدمج الاجتماعي، حيث لوحظ اهتمام واضح بتقديم التسهيلات اللازمة لضمان مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل مريح وآمن. وشملت هذه التسهيلات تجهيز عدد من المدارس والمراكز الانتخابية (وان كانت قليلة) بممرات تتيح سهولة التنقل لذوي الإعاقة الحركية. بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص غرف اقتراع في الطوابق الأرضية لتجنب العقبات التي قد تعيق وصول المقترعين
في جولة على عدد من مراكز الاقتراع في طرابلس، كان لنا لقاء مع الشابة سعاد محمد أحدى الناخبات والتي عبّرت عن ارتياحها للتسهيلات في أحد المراكز في منطقة ابي سمراء وقالت: كنت متخوّفة من عدم القدرة على التصويت حيث كنا نواجه مشكلة في الوصول إلى غرف الاقتراع بسبب ازدحام المداخل والطوابق الأولى التي كانت تشهد تدافعًا وضغطًا كبيرًا. لكن اليوم، كان الوضع أفضل المركز الذي قصدته كان مجهزًا بمسار مخصص يضمن لي دخولًا سلسًا دون عناء أو تدافع هذه خطوة إيجابية على أمل أن تنسحب على العديد من الاماكن ليس فقط نهار الاقتراع.
وفي حديث مع السيدة هدى الحسن، منسقة في إحدى الجمعيات المعنية بحقوق ذوي الإحتياجات الخاصة، أكدت على أهمية هذه التحسينات قائلةً: شهدنا اليوم بعض التحسينات المهمة في مراكز الاقتراع، حيث جرى تجهيز عدد من المدارس بممرات ملائمة وكراسٍ متحركة، وتم تخصيص غرف اقتراع في الطوابق الأرضية.
وتابعت: هذه الجهود تستحق التقدير، لكن ما زال الطريق طويلًا للوصول إلى بيئة انتخابية دامجة ويجب أن تتخذ السلطات خطوات أكثر شمولًا لضمان تهيئة جميع المراكز بشكل دائم. لا يمكن أن نعتمد على مبادرات موسمية أو جهود فردية. لا بد من وضع خطة وطنية تراعي احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، مع تدريب الكوادر على كيفية التعامل مع هذه الفئة باحترام واحترافية.
وفقًا لآخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان بلغ عدد الأشخاص الحاصلين على بطاقة المعوّق الشخصية 114,000 شخص. من بين هؤلاء، يُشكّل الأشخاص ذوو الإعاقة الحركية النسبة الأكبر، حيث يمثلون 56% من إجمالي المسجّلين، أي ما يقارب 63,840 فردًا يعانون من إعاقة حركية، بما في ذلك المقعدون الذين يستخدمون الكراسي المتحركة
إن مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الانتخابات ليست مجرد حق قانوني لذلك، يتوجب على الجهات المعنية تحويل هذه المبادرات الفردية إلى سياسات دائمة، تضمن تكافؤ الفرص للجميع فإن تحقيق ديمقراطية شاملة يبدأ من توفير بيئة انتخابية دامجة تحترم كرامة الإنسان وتضمن له حقه في المشاركة دون حواجز أو تمييز..