عندما أُرسي عُرف بلدية بخعون في العام 1963، بعد نحو خمس سنوات على إنشائها في العام 1958، كان ذلك بمثابة خطوة نوعية نقلت البلدة من واقع غير مريح يسوده الإنقسام والتشرذم والخلافات، إلى واقع آخر يسوده التفاهم والتوافق بين عائلاتها بما يحفظ إستقرار البلدة على نحو واسع.
والعُرف الذي حفظ التوازن بين العائلات وتمثيلها في المجلس البلدي، ليس مقتصراً على بلدة بخعون فقط، فهناك بلدات كثيرة في الضنّية ولبنان توافقت على مجالس بلدية وفازت بالتزكية نتيجة عُرف توافقت عليه عائلات هذه البلدات، وبرغم ملاحظات عديدة على هذه الأعراف فإنّ حسناتها كانت أكثر من سيئاتها. والأمثلة على ذلك في الضنّية كثيرة مثلما هو الحال في بلديات حرف السّياد وبيت الفقس والحازمية وغيرها.
ولا يغيب عن بال أحد أنّ العُرف في بخعون وغيرها هو ترجمة للديمقراطية التوافقية التي تظلل النّظام السّياسي والحياة العامّة في لبنان، وهو عُرف إمتدّ من أعلى القاعدة إلى اسفلها في عدد كبير من بلديات لبنان، وبالتالي فهو نتاج نظام سياسي تاريخي قائم وليس إستثناءً وخروجاً عن القاعدة.
وبرغم الملاحظات العديدة على العُرف في بلدية بخعون، فإنّ أيّ بدائل أخرى لم تطرح بشكل جديّ طيلة السنين الماضية، لا من جهة المحافظة على عُرف تفاهم عليه الأجداد والآباء ويُعتبر إرثاً تاريخياً ينبغي المحافظة عليه من أجل مصلحة بخعون بالدرجة الأولى، ولا تم طرح أيّ أفكار جديّة لتطوير العُرف على نحو يواكب المتغيرات الكثيرة التي شهدتها البلدة.
إنّ انتقاد العرف لمجرد الإنتقاد لا يوصل إلى أيّ نتيجة إيجابية، وتجاوز العُرف ورفضه والدعوة إلى إلغائه بلا طرح أيّ بديل مناسب ويحظى بتوافق عائلات البلدة أو أغلبهم هو قفزة في الهواء والذهاب نحو المجهول.
والمفارقة أنّ من ينتقدون العُرف في كلّ إنتخابات بلدية عندما يكونوا متضرّرين منه، يدعون بقوة للحفاظ عليه والتمسّك به عندما يصبحون مستفيدين منه. كما أنّ من يدعون إلى انتخابات بلدية بعيداً عن العُرف وتمثيل عائلات البلدة في مجلسها البلدي، سرعان ما يطالبون بما يعتبرونه حقّاً لهم حفظه لهم العُرف، ما يوقعهم في تناقض واضح.
كما أنّ انتقاد العُرف هنا في بلدية بخعون والدعوة بالمقابل إلى المحافظة عليه هناك، في بلدية بيروت مثلاً، أمر لا يستقيم ولا يقبله عقل ومنطق.
إزاء ذلك يبقى أمام الجميع في بخعون خيارات واضحة بعيداً عن المزايدت التي لا تجدي نفعاً: إمّا المحافظة على العُرف كما هو، كليّاً وليس جزئياً، أو تطويره على نحو يعود بالفائدة على بخعون وعائلاتها كلّها بلا استثناء، أو العمل في المجلس النيابي على إقرار قانون إنتخابات بلدي عصري قائم على النسبية، وفي كلّ لبنان، عندها سيصبح العُرف في بخعون والأعراف الأخرى في بقية بلديات لبنان في خبر كان.
موقع سفير الشمال الإلكتروني