تأتي الانتخابات البلدية هذه السنة في ظل استمرار الازمات رغم التفاؤل بالعهد الجديد، ومع أن البلديات غالبًا ما تُختزل بدورها الخدماتي المباشر، إلا أن التحديات الحالية تفرض إعادة النظر في موقعها ودورها كمؤسسة محلية أساسية في إنتاج التنمية وإدارةالشأن العام. فمطالب المواطن لم تعد تقتصر على تزفيت الطرق أو جمع النفايات أو إصلاح أعمدة الإنارة، بل ما يريده اليوم هو الحاجة إلى بلدية قادرة على التخطيط العمراني، وإدارة الموارد بكفاءة، وتطوير البنية التحتية وفق أولويات واضحة، وضمان إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار؛ الامر الذي يتطلب انتقالًا من نمط الإدارة التقليدية إلى نمط إداري تشاركي وشفاف، يستخدم أدوات العصر، ويستند إلى بيانات علمية وواقعية.
تبرز المشكلة الأساس في غياب الشفافية التي أفضت الى ضعف الثقة بين المواطنين والمجالس البلدية. لذلك، فإن أي مشروع بلدي ناجح لا بد أن يبدأ بإتاحة المعلومات للمواطنين والكشف عنها، سواء ما يتعلق بالموازنات أو المشاريع أو المناقصات أو آليات التوظيف. وعليه، فان “الإدارة الرقمية أو “البلدية الذكيّة” لم تعد خيارًا إضافيًا- خاصة في ظل التطوّرات التكنولوجيّة وتوجّه الدولة نحو تحقيق التحوّل الرقمي – بل ضرورة لمكافحة الفساد وتفعيل المحاسبة وتسريع المعاملات وتسهيل التواصل بين البلدية وسكانها.
من جهة أخرى، نأمل أن تعكس البلدية قيم التنوع الاجتماعي. من هنا، تبرز أهمية تعزيز مشاركة النساء والشباب، وذوي الخبرات في الشأن البلدي الذين يجب أن يتعاونوا مع الجمعيات الأهلية والجامعات والنقابات والقطاع الخاص، من أجل خلق بيئة اقتصادية واجتماعية حاضنة للمبادرات والفرص.
اما المرشّحين، فحري بهم الخروج من منطق الوعود الانتخابية الفضفاضة، والتوجّه إلى صياغة برامج بلدية واضحة وقابلة للتنفيذ، ومبنيّة على تشخيص دقيق لحاجات البلدة وسكانها. والناخب بدوره مدعو إلى مساءلة المرشحين، والاطلاع على برامجهم، وعدم الرضوخ للاعتبارات الزبائنية التي أنتجت مجالس ضعيفة وغير قادرة على الإنجاز.
البلديات ليست مؤسسات هامشية، بل هي في صلب بناء الدولة. وكل صوت يُمنح في صناديق الاقتراع يجب أن يكون انتخابًا واعيًا يعبّر عن رغبةٍ في التطوير والتنمية المستدامة، وفي بناء إدارة محلية حديثة وعادلة ومسؤولة، تعكس أقلّه آمال اللبنانيين في الانتقال الى مرحلة أكثر ازدهار واستقرار لأجل النهوض.
الكاتبة: أ.د. وديعة إبراهيم الأميوني – أستاذة جامعية وباحثة اجتماعية..
موقع سفير الشمال الإلكتروني