أصبحت السرقة تتم في مدينة ديرالزور مؤخراً، في وضح النهار، ولأسباب ولصالح جهات معلنة، ولكن، وللمرة الأولى، لن يستفيد منها النظام بل الميليشيات الإيرانية التي تحكم المدينة وترخي بظلالها على معظم مدن وقرى المحافظة بأكملها.
ورغم كون النظام السوري لم يتخذ أي قرار يتضمن إعادة إعمار مناطق الضفة الغربية من نهر الفرات التي سيطر عليها، لأسباب كثيرة أهمها أن إعادة الإعمار يحتاج لمبالغ كبيرة، ولكون المنطقة لا تزال تعتبر أمنياً غير آمنة بسبب وجود قوات سوريا الديمقراطية المسيطرة على غرب الفرات، ووجود جيوب لتنظيم "داعش" في البادية، إلا أنه لا يزال يعرض مناقصات من أجل توفير الحد الأدنى من الخدمات في المناطق التي فيها دوائر رسمية تابعة له، أو مرافق تستخدمها الميليشيات.
المناقصات هذه بات هدف الميليشيات الإيرانية التي تدفع المقاولين للتقدم لها ومن ثم تأخذ أموال تلك المناقصات وتبقي تلك المشاريع حبراً على ورق.
ويقول حازم، وهو أحد موظفي المحافظة في مدينة ديرالزور، ل"المدن"، إنه "في بداية عام 2021 رست 5 مناقصات على تجار مختلفين من المحافظة لتقديم خدمات عدة في المدينة، أو في القرى الأخرى، كتعبيد الطريق الواصل بين مدينة موحسن ومركز المحافظة، وترميم أجزاء من مشفى الأسد، وإعادة بناء مبنى المحافظة في مدينة المياذين، ولكن منذ أسبوعين سلمت لنا أوراقاً بتنفيذ مشروعين منها، وتنفيذ مرحلتين من المشاريع الأخرى، وعندما دققنا في الموضوع اكتشفنا أن المشاريع لم تنفذ".
ويضيف أن "التحقيق لم يستمر بل أُمرنا برفع تقرير إنجاز للمشاريع بعد أن اجتمع عدد من قادة الميليشيات مع المحافظ، وسرب من الاجتماع أن قادة تلك الميليشيات أعربوا عن ثقتهم وحمايتهم المباشرة لأولئك المقاولين".
الأمر نفسه يؤكده الباحث سعد الشارع شارحاً أن "ما يجري حالياً في ديرالزور هو تقريباً تقديم الحد الأدنى من الخدمات في المناطق التي يسيطر النظام عليها، أو التي يضطر لتقديم خدمات فيها لتسيير أمور مؤسساته في تلك المنطقة، لذا تجري هناك بعض المناقصات مثل إزالة الأنقاض وترميم بعض الأبنية وتعبيد طرقات وما شابه".
ويضيف ل"المدن"، أن "الميليشيات الإيرانية تدفع بعض الشخصيات للتقدم لهذه المناقصات، وهي أحد المناهل التي تعتمد عليه لتمويل ذاتها، حيث تعمل كسمسار في تسهيل الحصول على المناقصة، أو تنفيذها، أو حماية عدم منفذيها من المساءلة القانونية".
وسبق أن تناقل عدد من الناشطين تذمراً بين طبقات التجار في المدينة، وذلك لأن الميليشيات الإيرانية تهددهم بالقوة في حال التقدم لمناقصات تطرحها المحافظة، وبأن سوق المناقصات أصبح بيد عدد معين من المقاولين منهم عبدالرزاق السهو الموالي لميليشيا فاطميون، وعيسى الرمضان الموالي لحزب الله. وقالوا إن أموال تلك المناقصات تذهب بشكل مباشر لتمويل أعمال الميليشيات غير الشرعية مثل تجنيد المقاتلين وشراء الأسلحة، كما أكدوا أن الميليشيات تسيطر على أي سوق تجاري في المحافظة بأكملها وتتقاسم في ما بينها ثروات ومقدرات المحافظة التي دمرت أغلب مدنها وقراها في الحرب.
وفي هذا السياق يقول سعد الشارع إن "الميليشيات تدير أعمالاً غير شرعية أخرى بالإضافة للمناقصات، كالتنقيب عن الآثار، كما أنها تسيطر على الحركة التجارية على الطريق الدولي الواصل بين سوريا والعراق، وتهريب النفط، كما أنها، بالإضافة لسرقة أموال البلد، بدأت تلك الميليشيات تتدخل في البناء الاجتماعي للمحافظة وعليه ستترتب نتائج سلبية".
بات نظام الأسد يفتقر لأي سيطرة على مناطق نفوذه المفترضة غرب الفرات، فيما تعمل الميليشيات الإيرانية بطريقة ممنهجة ومدروسة لتغيير النسيج المجتمعي، وتعمل على ربط جميع نواحي الحياة بها مما يجعل اجتثاثها منه من الصعوبة بمكان، ويتركها المرجع الوحيد للحل والربط في المدينة.