يبدو أن التيار المتشدد في إيران يربح معركة السوشال ميديا قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في البلاد، الصيف المقبل، حيث تتصدر الهاشتاغات الداعمة لمرشحين أصوليين، مواقع التواصل الاجتماعي المحجوبة في البلاد تقنياً.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية أن التفاعل الكثيف على الهاشتاغات الداعمة للمرشحين الأصوليين، يؤدي إلى تصدرها مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يكون واضحاً مدى تأثير ذلك في نتائج الانتخابات المقبلة، ليس لأن مواقع التواصل الاجتماعي محجوبة أو مراقبة في البلاد فقط، بل لوجود فكرة عامة بأن المرشد الأعلى علي خامنئي يحدد نتيجة تلك الانتخابات الصورية بنفسه أيضاً.وتصدّر هاشتاغ "نريد هذين الشخصين" في إشارة للسياسيين المتشددين محمد باقر قاليباف وإبراهيم رئيسي، مواقع التواصل الإيرانية الأسبوع الجاري، كما برز هاشتاغ "لا لتكرار تجربة روحاني"، في دعوة إلى المسؤولين عن التيار الإصلاحي دعم وصول رئيسي أو قاليباف إلى رئاسة الجمهورية.وتنتظر إيران الانتخابات المقبلة في شهر حزيران/يونيو المقبل، لتظهر صورة الحكومة المقبلة، مع وجود توقعات بأن يكون الرئيس المقبل أصولياً، بعد تجربة الانتخابات النيابية في العام الماضي. وحتى الآن لم تظهر الصورة العامة للمرشحين، بعدما أعلن عدد قليل من الشخصيات ترشحهم، وتكتسب الانتخابات أهمية نظراً للتغيير الذي طرأ على الإدارة الأميركية هذا العام مع وصول الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض.وفي مواقع التواصل الاجتماعي، طالب بعض المغردين بوصول رئيسي أو قاليباف إلى رئاسة الجمهورية. واعتبر أحد المغردين: "أننا لا نملك ترف الوقت، ولا مكان أبداً لإعادة التجارب السابقة، وعلى الرغم من كفاءة المرشحين الموجودين على الجبهة الثورية، إلا أننا لا يجب أن نخوض تجربة تحتمل الخطأ، لذا يجب أن نجتمع حول رئيسي أو قاليباف".وأوضح مغرد آخر أنه "من أجل واجبي في المشاركة العامة واختيار رئيس بلادي، ومن أجل إظهار ثقتنا في كفاءة النظام الإسلامي، سأشارك في التصويت"، مضيفاً: "على الرغم من أن المرشحين الثوريين هم جميعاً من أبناء هذا النظام، إلا أننا نريد رئيسي أو قاليباف، لأن المطلوب التخلص من الأفكار الغربية والشعارات المناهضة للثقافة الإسلامية ولإصلاح السرطان الليبرالي الذي انتشر في السنوات الماضية"، حسب تعبيره.وقبل تعيينه بمنصب رئاسة القضاء، شغل إبراهيم رئيسي (60 عاماً) مناصب عليا في الجهاز القضائي في البلاد، بما في ذلك المدعي العام في طهران، وكبير المدعين العامين لمحكمة رجل الدين الخاصة، فضلاً عن عضويته المستمرة في مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام. وفي العام 1988، كان رئيسي أحد الأعضاء الأربعة في ما سمي "لجنة الموت" في إيران، والتي تم إنشاؤها بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، بأمر من المرشد الأعلى السابق روح الله الخميني، حيث نفذت إعدامات جماعية بحق آلاف المعارضين في السجون الإيرانية بفتوى من الخميني.أما قالبيباف (59 عاماً) الذي يترأس مجلس الشورى الإيراني حالياً، فهو سياسي أصولي وضابط عسكري سابق شغل منصب عمدة طهران وكان قائد مقر خاتم الأنبياء للإعمار منتصف التسعينيات وقائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، وخسر انتخابات العام 2013 أمام روحاني إضافة لترشحه للرئاسة العامين 2005 و2017 أيضاً.وشهدت إيران منذ العام 2017 احتجاجات عنيفة ومتكررة في عدد من مدن البلاد، نتيجة الواقع الاقتصادي المتردي والعزلة الثقافية التي تعيشها البلاد أيضاً وسياسة قمع الحريات، لكن المغردين الداعمين للمعسكر المتشدد ألقوا بالتهم السابقة على المعسكر الإصلاحي، مثلما هو متوقع، وكتب أحد المغردين على سبيل المثال أن "الوضع الحالي للقطاع الصحي ولسبل العيش ليست الصورة الحقيقية لبلادنا، لكن وجود روحاني في رئاسة الجمهورية أوصل لهذه الحالة"، مضيفاً: "يتمتع الاقتصاد الإيراني بقدر كبير من القدرة وإمكانات النمو حتى مع انتشار جائحة كورونا وذلك عبر سياسة صحيحة، فيمكننا أن نصل إلى نمو سنوي بنسبة 5٪ من الإنتاج الوطني إذا عملنا بشكل صحيح".وكرر معلقون القول أن "شعارنا هذا العام هو لا لتكرار تجربة روحاني" معتبرين أن روحاني هو "الشخص الذي وضع البلاد تحت عبء عدم الكفاءة وسوء الإدارة، ولا أحد يستطيع أن ينقذ البلد من حافة الهاوية ويؤدي إلى الازدهار الاقتصادي أفضل من قاليباف أو رئيسي".ورغم ذلك، فإن وجود مرشحين بارزين إلى هذا الحد ضمن المعسكر المتشدد أثار مخاوف أنصار التيار الأصولي عموماً بأن هنالك شرخاً لا يمكن إصلاحه أو تفادي وقوعه في الانتخابات المقبلة. وكتب مغرد أن "انعدام الوحدة على مرشح أساسي في الجبهة الثورية سيؤدي إلى استمرار وجود البلاد في مفاوضات غير مثمرة كما يحصل اليوم، ويمكن لشخص واحد فقط من هذين الشخصين، قاليباف أو رئيسي، منع استمرار سياسة حكومة روحاني".ورغم ذلك كله، فإن الحديث عن وجود اختلافات كبيرة بين المعسكرين الإصلاحي والمتشدد في البلاد يبقى مبالغة كبيرة، لأن السياسيين من كلا المعسكرين ليسوا سوى جزء من عمق النظام الإيراني أحادي الاتجاه منذ العام 1979، والقائم على قمع الشعب الإيراني وامتصاص ثروات البلاد. أما فكرة الانتخابات نفسها فلا تمت بصلة إلى تغيير سياسات الدولة أو رسمها أو تداول السلطة كما هو الحال في الديموقراطيات الغربية الحقيقية، بل بتقاسم الثروات ضمنه بين التيارات الداخلية ضمنه فقط، فيما تشكل مصطلحات مثل المحافظين والإصلاحيين مجرد شعارات خالية من المعنى فعلاً.