من غير المفاجئ على الإطلاق أن يبدي وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، استياءه من مسلسل تلفزيوني محلي واسع الانتشار، يصوّره وزيراً ضعيفاً وعاجزاً يعتمد في المحادثات النووية مع الدول الغربية، على مواطنين إيرانيين من حملة الجنسية المزدوجة، ليظهر أنهم جواسيس يعملون لصالح الاستخبارات البريطانية (MI6).
المسلسل المقصود هو سلسلة "غاندو" التي أنتجتها مؤسسة يعتقد أنها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، ووصفها ظريف بـ"الكذب من أولها إلى آخرها" وبأنها "تسيء إلى وزارة الخارجية أكثر مما تسيء إليّ" عبر تغذية عدم الثقة فيها، حسبما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز".ويرى المحللون الإصلاحيون إن إنتاج مسلسل يتحدث فقط عن المحادثات النووية يذهب أبعد من إنتاج دراما مثيرة. وتدير إيران محادثات مع الغرب بشأن إحياء المفاوضات النووية، والتي يعتبرها المعسكر الإصلاحي أهم إنجازاته. ومن هنا يرغب المعسكر المتشدد، عبر هذه الدراما، في تشويه صورة وزير الخارجية الذي يحظى بشعبية، ومنعه من التفكير في الترشح للرئاسة في عام انتخابي مهم.وقال ظريف في تصريحات هذا الشهر: "سأكون ممتناً لصناع غاندو بتركنا نواصل عملنا الحالي"، وعلق قائلاً بأنه لن يرشح نفسه للرئاسة، في وقت أدّت إمكانية إحياء المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، ودول غربية أخرى، إلى تعقيد المشهد السياسي الإيراني المتوتر قبل انتخابات حزيران/يونيو المقبل، إذ يعوّل كثر من الإصلاحيين على أكبر دبلوماسي لإنعاش الصفقة النووية وتعزيز الدعم لهم في صناديق الاقتراع، فيما قد يفضّل المتشددون التفاوض على الصفقة بأنفسهم بعد الانتخابات التي تعتبر مهمة، في حالة وفاة المرشد الأعلى علي خامنئي (81 عاماً) خلال الفترة الرئاسية الحالية.ويهدف مسلسل "غاندو" الذي يشير إلى تمساح إيراني يستطيع التمييز بين أصدقائه وأعدائه إلى "إخبار ظريف أنه لو فكر الترشح للانتخابات فسيتم تدميره" كما أوضح محلل إصلاحي، مضيفاً: "عندما تؤمن قيادة الحرس بقصة غاندو فهذا يعني أنه لن يسمح لظريف الترشح في حالة تحدى التحذيرات".وسيُنهي الرئيس الحالي، حسن روحاني، فترته الثانية، ولم يظهر بعد من سيخلفه، لأن تسجيل السياسيين للانتخابات سيبدأ في نهاية أيار/مايو المقبل، ويجب أن يوافق مجلس صيانة الدستور على المرشحين، وهو هيئة يسيطر عليها المتشددون. ومن المرشحين المتشددين المحتملين للرئاسة، محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان وقائد سابق في الحرس الثوري، وإبراهيم رئيسي، رئيس القضاء، وعلي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق. أما في الجانب الإصلاحي فهناك تكهنات بترشيح إسحق جهانغير، النائب الأول للرئيس نفسه للرئاسة، وحسن خميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، وظريف.وتلقى ظريف تعليمه في الولايات المتحدة، وعمل في السلك الدبلوماسي الإيراني حيث يحظى باحترام في الغرب لبراغماتيته. ولعب دوراً مهماً في الاتفاق الذي وقّعته إيران العام 2015 مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ودول أخرى. ووافقت إيران في الاتفاق على الحد من برنامجها النووي، في مقابل رفع العقوبات عنها. إلا أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تخلى عن الاتفاق العام 2018، وأعاد فرض العقوبات على إيران، بما في ذلك ظريف. وقال ترامب أنه سيحاول التوصل لاتفاق جديد مع إيران يحد من نشاطاتها في المنطقة وسياساتها العسكرية، لكن التحركات الأميركية أوصلت رسالة للمتشددين مفادها أنه لا يمكن الثقة في الولايات المتحدة.ونظراً لدراسة ظريف في الولايات المتحدة وترؤسه بعثة إيران في الأمم المتحدة، حيث التقى مسؤولين أميركيين بمن فيهم الرئيس الحالي جو بايدن، فقد كان محل شكوك من المتشددين. ويبدو الحذر من ظريف والغرب واضحاً لدى مشاهدة "غاندو" الذي يعلي من شأن "بطولات" الحرس الثوري. على سبيل المثال يحذر بطل المسلسل "محمد"، من محاولة المفاوضين الغربيين تخريب مصافي النفط كجزء من المحادثات النووية.ويعمل "محمد" في منشأة نووية تشبه تلك المنشآت في أفلام جيمس بوند. وفي الوقت نفسه يتلقى وزير الخارجية الخيالي نصيحة من مستشار إعلامي، المتهم الرئيسي بـ"الدخول في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة والقبول بشروط قائدة القرية العالمية". وتعكس المعالجة الدرامية في جزء منها موقف نقاد ظريف. وقال مساعد لسياسي متشدد ومرشح محتمل للرئاسة: "يجب محو كل الإصلاحيين وظريف وجماعات الضغط التي يتعامل معها في واشنطن، من حملة الجنسية المزدوجة، من السياسة الإيرانية". وأضاف: "علينا التخلص من الورم السرطاني مرة وللأبد".وعلق غولمالي جعفر زادة، العضو المحافظ السابق في البرلمان، بأن ظريف "ليس رجل دولة جيداً ويجب ألا يرشح نفسه للرئاسة"، مضيفاً أنه يجب على "الإصلاحيين معرفة أن اختياراتهم لن تتم الموافقة عليها".وقرر التلفزيون الإيراني، هذا الشهر، وقف بث المسلسل التي كان في منتصف حلقاته الـ30. وقال الإعلام المحلي أن عملية البث قد تستأنف بعد الانتخابات. وأشار الرئيس روحاني الذي كان إنجازه هو الاتفاق النووي، يوم الأربعاء الماضي، إلى أنه يجب عدم إنفاق "مال الشعب" على "تزييف الحقيقة" و"تشويه الحقائق".