التخدير الدولي قبل الانهيار اللبناني
2021-04-02 19:55:52
من الواضح أن هناك، على المستوى الدولي اليوم، نوعاً من الاشمئزاز وقلة الاهتمام بلبنان ومساره السياسي، ممزوجاً بالقلق حيال احتمالات الانفجار الأمني والاجتماعي، بما يُرتب تبعات على مستوى اللاجئين. ذاك أن الاتحاد الأوروبي شهد خلال الأسابيع الماضية نقاشاً حول لبنان، على ارتباط بالأزمة ولكن أيضاً في ظل انتقادات حقوقية لإساءة البحرية القبرصية التعامل مع قارب لجوء لبناني.
بيد أن دبلوماسيين أوروبيين باتوا يتوقعون انطلاق موجة أكبر من قوارب اللجوء باتجاه قبرص واليونان (عبر تركيا). وهذه أزمة حتمية، وليس بإمكان الاتحاد وقفها، رغم أن هناك قلقاً قبرصياً من تحمل نيقوسيا الكلفة الأكبر وقد تجاوز عدد اللاجئين عتبة الاثنين بالمئة من مجمل السكان (مقارنة بنسبة واحد في المئة على مستوى الاتحاد). تُريد قبرص إعادة توزيع اللاجئين على الدول الأعضاء في الاتحاد، لكن ذلك لم يعد متاحاً في ظل صعود قوى يمينية في أنحاء الاتحاد.
والتوقيت هنا مشكلة. ليس سهلاً التعامل مع أزمة لجوء وتداعياتها السياسية، سيما أن أوروبا لم تتجاوز الى الآن موجة صعود اليمين المتطرف على موجة اللجوء السورية عام 2014. كما أن الاقتصاد الأوروبي في حالة ركود نتيجة الجائحة وعمليات الاغلاق المتواصلة في أوروبا الغربية.
ما العمل؟
ليس الاتحاد الأوروبي بوارد تقديم سلة انقاذ مالية للبنان من دون إقدام السلطة السياسية على اجراء إصلاحات أساسية في البلاد. هناك حالة قرف عامة بين الدبلوماسيين الغربيين حيال الساسة اللبنانيين وسلوكهم ولا مبالاتهم الاجرامية حيال الوضع الداخلي. لكن في المقابل، تقتضي المصلحة بعدم السماح بانهيار شامل في هذا التوقيت بالذات. ما السياسة الوسطية اذن التي تُراعي هذين التوجهين؟
السياسة الحالية هي تجنب الانهيار ليس من خلال توفير سلة دعم متكاملة لانتشال البلاد من الوضع الحالي، بل عبر إجراءات موضعية تُساهم في تأجيل الأزمة الكبرى لسنة أو اثنتين. لهذا، برزت مقاربتان أوروبيتان خلال الأسبوع الماضي.
أولاً، وعلى المستوى السياسي، سربت مصادر فرنسية أن لا مانع لباريس في حكومة تكنو-سياسية موسعة (24) بحجة أنها لم تضع منذ البداية سوى شرطين، وهما عدم الانتماء الى حزب، والنزاهة (عدم ورود أسماء المرشحين في فضائح فساد). بالإمكان ترشيح وزراء سياسيين دون أن يكونوا حزبيين. وهذا يلتقي مع طرح الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بتمثيل سياسي في حكومة من 24 وزيراً.
ثانياً، وعلى المستوى الاقتصادي، تولت ألمانيا تسريب أنها ستُسلم الجانب اللبناني
خطة بكلفة مليارات الدولارات، لإعادة بناء مرفأ بيروت، وضمن سياق المساعي الجارية لتشجيع الطبقة السياسية على تشكيل الحكومة. ألمانيا وفرنسا ستكونان في مقدمة هذا المشروع، لكن في الوقت ذاته، ما زال التمويل غير محسوم، كما أفاد بنك الاستثمار الأوروبي.
عملياً، هذه جزرة أوروبية أخرى للطبقة السياسية من أجل إطلاق عجلة العمل على مستوى البلاد. لكن أحداً غير متوهم في هذا المجال، إذ أن أي استثمارات كبرى مع هذه الطبقة السياسية المملوءة بالتناقضات والطموحات القاتلة، لن تؤدي الى انتشال لبنان من محنته، بل قد تُساعد في حال ترافقها مع بعض الدعم الخارجي العيني والمالي المحدود، في تأجيل رفع الدعم بشكل كامل، والانهيار المرافق له، لسنة أو اثنتين، سيما لو ترافق بحركة انفراج سياسية على المستوى الحكومي.
والطبقة السياسية هنا قد تلتقي في هذا المكان مع الجانب الأوروبي، إذ لا اهتمام في أي إصلاحات أو تدقيق جنائي في ارتكابات الماضي أو أي محاسبة على مستوى الشأن العام، بل يصب التركيز على تأجيل الانهيار الواسع، لا معالجة مسبباته.
قد نشهد خلال الفترة المقبلة سياسات تخدير موقتة بدعم أوروبي-عربي، ريثما يجد المجتمع الدولي موعداً مناسباً للانهيار الشامل في البلاد.
وكالات