كتبت نادين بركات على حسابها عبر منصة "إكس": أولًا، ما هي الوحدة 900؟ بحسب مصادر إسرائيلية وأميركية مفتوحة، وتقارير بحثية وأمنية غير حكومية، تُوصَف الوحدة 900 داخل حزب الله بأنها جهاز أمن داخلي–استخباري يتولى إدارة ملف كبار موظفي الدولة والمؤسسات الحساسة. ويتقاطع عمل هذه الوحدة مع عمليات التجنيد، والرشوة، والترهيب، والضغط، والابتزاز، وإدارة الولاءات داخل الإدارات المدنية والعسكرية. في الأدبيات الإسرائيلية والأميركية، تُدرج هذه الوحدة ضمن بنية أمنية موازية للدولة، هدفها تحييد مؤسسات الدولة أو إخضاعها بدل السيطرة الشكلية عليها. والمقصود هنا ليس إدارة مباشرة بالمعنى الإداري، بل التحكم بالقرار والمسار، وتأمين الحماية أو التعطيل.
ثانيًا، ماذا يُقصد بتعبير "عملاء داخل الأجهزة الأمنية اللبنانية"؟
عندما يستخدم المتحدث العسكري الإسرائيلي هذا التعبير، فهو لا يقصد بالضرورة عملاء لإسرائيل، بل يشير إلى قادة وأفراد داخل أجهزة رسمية مثل الأمن العام، ومخابرات الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والجمارك، والقضاء العسكري، يعملون، بحسب الاتهام، لمصلحة حزب الله أو تحت تأثيره. ويشمل ذلك نقل معلومات، وتعطيل تحقيقات، وحماية شبكات مالية أو لوجستية، وتركيب ملفات، وتغطية مجرمين، وتوجيه المسارات القضائية والأمنية.
في هذا السياق، تُذكر أسماء عدة في النقاش العام. من بينها عباس إبراهيم، المدير العام السابق للأمن العام، الذي يُشار إليه في تقارير أميركية وصحافية بوصفه وسيطًا سياسيًا–أمنيًا لعب أدوارًا إقليمية حساسة، وهو متهم بمنح عناصر من حزب الله جوازات سفر بيومترية بأسماء مسيحية وهمية. كما ترد الإشارة إلى ضباط شيعة في مخابرات الجيش في دراسات تتناول اختلال التوازن الطائفي داخل الأجهزة، وتناغم هؤلاء مع أمن حزب الله.
كذلك تُثار تساؤلات سياسية وإعلامية حول أدوار عماد عثمان وخالد حمود في سياق إدارة الملفات الحساسة. ويُعتبر جهاز المعلومات في قوى الأمن الداخلي صنيعة المخابرات السعودية والأوروبية، قبل اغتيال وسام الحسن وتعيين خالد حمود، الذي تحوّل، بحسب هذا الطرح، إلى أداة بيد حزب الله، يغطي له نشاطات تجارة الكبتاغون، وتبييض الأموال، وتركيب ملفات أمنية بحق المعارضين. وفي المقابل، كُشفت ملفات فساد ورشاوى بحق عماد عثمان، المدير العام لقوى الأمن الداخلي، واستُخدمت لابتزازه، ما جعله بدوره، بحسب الاتهامات، أداة بيد حزب الله. ويُضاف إلى ذلك عدد كبير من الضباط الذين يُقال إنهم يتعاونون مع الوحدة 900.
كما يرد اسم بدري ضاهر، المدير العام السابق للجمارك، في سياق ملفات فساد وتهريب، وكان، بحسب الاتهام، يغطي إدخال السلاح إلى حزب الله عبر مرفأ بيروت. ويُذكر أيضًا اسم ريمون خوري في ملفات مرتبطة بالتهريب. أما طوني صليبا ونائبه الشيعي في جهاز أمن الدولة، فتُناقَش أدوار الجهاز ككل في تقارير لبنانية تتناول التسييس والتوازي الأمني. والخلاصة في هذا الإطار أن سردية أمنية دولية تتحدث عن اختراق وظيفي ومنهجي لجميع الأجهزة الأمنية اللبنانية، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل على مستوى القادة.
ثالثًا، ماذا يُقصد بقمع المعارضين لحزب الله؟
بحسب تقارير أميركية وأوروبية ومنظمات حقوقية لبنانية، لا يتم القمع دائمًا عبر الاعتقال المباشر، بل من خلال الترهيب، والاغتيال المجهول الفاعل، وتركيب ملفات قضائية، واستخدام المحكمة العسكرية ضد مدنيين، وإسكات المعارضين. ويُستشهد في هذا السياق باغتيال لقمان سليم، الذي اعتُبر دوليًا رسالة ترهيب سياسية، وباغتيال جو بجاني في سياق كشف ملف مرفأ بيروت. كما وثّقت منظمات حقوقية لبنانية ودولية استخدام تركيب الملفات في المحكمة العسكرية كأداة ضغط.
رابعًا، الأطروحة المركزية.
عبر السيطرة غير المباشرة على الأجهزة الأمنية والقضائية، نجح حزب الله في السيطرة على الدولة اللبنانية من دون إعلان ذلك. وقد أدى هذا الواقع إلى إرهاب المعارضين من دون تحمّل كلفة سياسية مباشرة، وإلى تغطية الأنشطة غير المشروعة، ومنها تجارة الكبتاغون وفق تقارير أميركية وخليجية، وتبييض الأموال بحسب تقارير OFAC وFinCEN، إضافة إلى شبكات تهريب عابرة للحدود. كما أسهم هذا الوضع في تحييد الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي، من خلال تعطيل الإصلاح، وضرب الثقة، وإدخال لبنان في منطقة رمادية خارجة عن المعايير الدولية.
خامسًا، الخلاصة الاستراتيجية.
لم يُخترق لبنان سياسيًا فقط، بل أُفرغت دولته من الداخل أمنيًا. والخطر الأكبر لا يكمن في وجود تنظيم مسلح فحسب، بل في تحويل أجهزة الدولة إلى أدوات صامتة متواطئة وشريكة، لا تحمي الدولة، ولا تطبق القانون، ولا تملك قرارها، وغارقة في السرقة والرشاوى واستعمال النفوذ".