نشرت مجلّة "فورين بوليسي" الأميركيّة مقالا تحت عنوان: "حزب الله منهار لكنه لم يُهزم".
وجاء في متن المقال: "بعد التعرض لانتكاسات كبيرة على يد إسرائيل، يعمل حزب الله على إعادة بناء قدراته التي تضررت بشكل بالغ. كانت مورغان أورتاغوس، المبعوثة الخاصة للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، في بيروت الشهر الماضي للضغط على الرئيس جوزاف عون لتفكيك السلاح لدى الجماعة المدعومة من إيران - لكنها اكتشفت، إن لم تكن قد اشتبهت بالفعل، أن ذلك أسهل قولاً منه فعلاً.
لا تزال إيران الراعي الأساسي لحزب الله، كما أبرزت وزارة الخزانة الأميركية بإعلانها فرض عقوبات على عناصر تقوم بتحويل الأموال الإيرانية إلى الجماعة. إلا أن الحزب لا يعتمد فقط على التمويل الإيراني المباشر، بل يمتلك أيضاً شبكات تمويلية ومشتريات دولية واسعة ومستقلة. وإذا كان التاريخ يُعد مؤشراً، فسيعتمد حزب الله بشكل كبير على تلك الشبكات الدولية للتعافي من خسائره الأخيرة. ولكي تنجح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في تحرير لبنان من قبضة حزب الله، يجب أن يدعموا جهود الحكومة اللبنانية الداخلية لتفكيك السلاح، وفي الوقت ذاته يعيقوا قدرة الحزب على العمل بحرية في الخارج.
لقد ازدادت احتياجات حزب الله بشكل كبير في أعقاب الحرب التي بدأها مع إسرائيل عام 2023. إذ يعمل الحزب بجد لإعادة بناء قدراته العسكرية التي دمرتها إسرائيل إلى حد كبير من خلال استهداف عناصره وبنيته التحتية. كما تكبدت المناطق المدنية تكاليف إعادة البناء بمليارات الدولارات، ويتطلع جمهور حزب الله في جنوب لبنان إلى استمرار دعمه في أعمال إعادة الإعمار والخدمات الاجتماعية.
واجه حزب الله صعوبة في تلبية احتياجاته المالية المتزايدة، ولم يستطع الوفاء بالمنح المقررة لإعادة الإعمار، والرواتب، والبدلات لأسر القتلى والجرحى من مقاتليه. ففي إحدى الحالات، أصدر الحزب شيكات تعويض مؤجلة لإعادة بناء المنازل، ثم توقفت المدفوعات قبل أن يتسلم معظم الأشخاص أي أموال.
لا تزال إيران ملتزمة بتقديم دعم واسع النطاق لحزب الله، لكن ذلك أصبح أكثر صعوبة. فقد اتخذت الحكومة اللبنانية خطوات كانت مستحيلة سابقاً، بما في ذلك منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في بيروت، وتفتيش المراسلين الإيرانيين عند الوصول، وحظر البنوك والوساطات اللبنانية من التعامل مع عدة مؤسسات مالية مرتبطة بحزب الله. وفي الجارة سوريا، بدأت السلطات الجديدة أيضاً في تشديد مراقبة الأسلحة والأموال الإيرانية المتجهة إلى لبنان.
عندما كان الحزب يعاني من نقص في التمويل في الماضي، اعتمد على شبكاته العالمية في آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركتين لتعويض الدعم الإيراني. وبدأ هذا الاتجاه بشكل فعلي بعد حرب 2006 مع إسرائيل، حين واجه الحزب تحديات مماثلة في إعادة البناء والإعمار. كما وسع الحزب شبكاته أكثر عندما واجهت إيران نفسها صعوبات مالية عام 2009 بسبب تأثير الثورة الخضراء، والعقوبات الجديدة، وانخفاض أسعار النفط. ولجأ حزب الله إلى شبكاته العالمية مرة أخرى عند مشاركته في الحرب السورية التي أثقلت ميزانيته.
في هذه المرحلة، يبدو أن الحزب قد توجه بالفعل إلى أفريقيا وأميركا الجنوبية لجمع الأموال. لطالما كان لحزب الله حضور مهم في كلا القارتين. وفي أكتوبر 2024، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية تحذيراً لشبكات المؤسسات المالية يفيد بأن الحزب نشط في غرب إفريقيا، حيث يمتلك "شبكة من الممولين" لجمع وغسل الأموال نيابة عنه. وفي مايو، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعلان "مكافآت من أجل العدالة" تطلب معلومات عن آليات تمويل الحزب في المنطقة الحدودية الثلاثية حيث تلتقي الأرجنتين والبرازيل وباراغواي. وقال الإعلان إن الممولين والوسطاء التابعين لحزب الله يعملون هناك وفي أجزاء أخرى من أميركا الجنوبية، ويحققون عائدات من تجارة المخدرات وغسيل الأموال وتزوير العملات والتهريب.
كما يسعى حزب الله إلى استخدام شبكاته الشرائية وشركاته الوهمية حول العالم للحصول على تقنيات عسكرية وتقنيات مزدوجة الاستخدام. ففي 2024، على سبيل المثال، أحبطت بريطانيا وألمانيا وإسبانيا عملية كبيرة لحزب الله لشراء مكونات لطائرات انتحارية يمكن أن تحمل متفجرات. كما حاول الحزب الحصول على مكونات ومواد في أنحاء العالم. ووفقاً لوزارة العدل الأميركية، اشترى الحزب مواد كيميائية أولية صالحة لصنع القنابل من شركة أجهزة طبية في قوانغتشو بالصين، في إطار التخطيط لهجمات في قبرص وتايلاند وأماكن أخرى.
لمنع حزب الله من إعادة البناء، يجب على الدول التأكد من أن أراضيها لا تُستغل من قبل الجماعة. كخطوة أولى، ينبغي لجميع الدول المهتمة بمستقبل أفضل للبنان والشرق الأوسط أن تصنف حزب الله أو تحظره كمنظمة إرهابية إذا لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل ثم تستخدم الصلاحيات التنفيذية الناتجة عن هذا التصنيف لتقويض أي نشاط لحزب الله على أراضيها.
غالباً ما تشمل هذه التصنيفات سلطات إضافية لوكالات إنفاذ القانون. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، داهمت السلطات عدة منظمات مرتبطة بحزب الله بعد أن حظرت برلين الجماعة بالكامل عام 2020. في البرازيل، كان المسؤولون على دراية بممول للحزب قبل اكتشاف أنه كان متورطاً أيضاً في مخطط هجوم في البلاد، لكن الأدلة المالية الأولية لم تُعتبر أولوية من قبل المحققين لأن البرازيل لم تصنف حزب الله كمنظمة إرهابية. ووجدت دراسة لمؤسسة RAND في مارس أن أنشطة حزب الله تراجعت في خمس دول أميركية لاتينية صنفت الحزب كمنظمة إرهابية، بينما استمرت أنشطته في الدول التي لم تصنفه.
بالفعل، قامت عدة دول مؤخراً بتصنيف حزب الله. ففي سبتمبر، عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى كيتو، أصدر الإكوادور مرسوماً رئاسياً يصنف حزب الله، و"الحرس الثوري الإسلامي"، وحماس كمنظمات إرهابية. وكانت الإكوادور الدولة السادسة في أميركا اللاتينية التي تضيف حزب الله إلى قائمتها بعد الأرجنتين وكولومبيا وغواتيمالا وهندوراس وباراغواي. ومنذ 2019، قامت 19 حكومة حول العالم بحظر أو تقييد أو تصنيف حزب الله، في تذكير بأن الدبلوماسية الرامية إلى عزل الحزب يمكن أن تكون فعالة جداً. وبينما يضغط دبلوماسيون مثل أورتيغوس على بيروت لفعل المزيد لتفكيك حزب الله في لبنان، سيعتمد التصدي له في الخارج على قدرة الدول على استهداف تمويله وأنشطة مشترياته العالمية.
وبفضل النجاحات المبهرة لإسرائيل، لم يكن حزب الله أضعف من قبل. لقد اتخذ عون والبنك المركزي اللبناني والجيش اللبناني بالفعل بعض الخطوات لتفكيك السلاح لدى الحزب، رغم أن المهمة ما تزال ضخمة. ويحتاج عون وحلفاؤه من أجل تفكيك حزب الله إلى كل الدعم الممكن من المجتمع الدولي. وإذا اعترفت مزيد من الدول رسمياً بحزب الله كمنظمة إرهابية وليس كحزب سياسي أو جهة حكومية شرعية فإن ذلك سيرسل رسالة قوية لمؤيدي الحزب حول العالم، ويتيح اتخاذ تدابير مضادة لوقف تدفق الأموال، ويمنح الشعب اللبناني الأمل في أن بلاده قد تنجو من دورة العنف السياسي المستمرة.
لأول مرة منذ عقود، هناك فرصة حقيقية لتقييد حزب الله بشكل دائم. وعدم اغتنام هذه الفرصة سيكون وصفة لفشل الدولة في لبنان، وتجدد الحرب مع إسرائيل، ودورة جديدة من الصراعات في الشرق الأوسط".
The post تقرير أميركي بعنوان.. "الحزب" منهار لكنه لم يُهزم appeared first on Lebtalks.