حفلت وسائل التواصل الاجتماعي في أميركا بالتعليقات الساخرة من تقلبات مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد إعلانه إلغاء القمة التي مهّد لعقدها بينهما وقرّر لأجلها التراجع عن تسليم صواريخ توماهوك لأوكرانيا، وأنهى اجتماعه مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بتوتر وكلمات نابية، كما قال زيلينسكي للمستشار الألماني ورئيس حكومة بريطانيا، ولم يقدم ترامب أي تفسيرات لقرار الإلغاء سوى القول إنه شعر بأنه لا يجب أن يعقد قمة مع بوتين وإنه من الأفضل العودة إلى العقوبات على روسيا، بعدما أعلن وزير حزانته فرض عقوبات مشددة على روسيا وصرّح مسؤولون في إدارته أن قيوداً رئيسية سوف يتم رفعها على استخدام أوكرانيا للصواريخ البعيدة المدى الأميركية الصنع التي سبق تزويدها بها.
بالتوازي مع التعثر في ملف إنهاء الحرب في أوكرانيا يواجه ترامب تحديات النجاح في تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، حيث يصارح أركان إدارة ترامب الذين تجمعوا في كيان الاحتلال مع قرب وصول وزير خارجية أميركا ماركو روبيو إضافة إلى وجود نائب الرئيس جي دي فانس والمبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف وصهر ترامب جاريد كوشنر، وتتركز المساعي الأميركية على ضمان انطلاق المرحلة الثانية من خطة ترامب، في ظل اليقين بلا جدوى العودة إلى الحرب، والخشية من استمرار الوضع الراهن، حيث تسيطر حركة حماس على الأمن والإدارة في غزة، بينما البديل الوحيد وفقاً للرؤية الأميركية هو الاتفاق مع حركة حماس وقوى المقاومة على تركيبة القوة الدولية والشرطة الفلسطينية التي تقبل بتسهيل مهمة انتشارها. وهنا تظهر العقدة الخاصة بموقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يرفض أدواراً في غزة لكل من تركيا التي يسعى لإضعافها في سورية، ومصر التي يعترض على نشر جيشها في سيناء وقطر التي يتهمها بدعم حماس وتمويلها، بينما تقول واشنطن إن هذه الثلاثية هي البديل الوحيد كنواة لدور دولي إقليمي يزيح صورة سيطرة حماس عن غزة.
في لبنان على إيقاع التهديدات التي أطلقها المبعوث الأميركي توماس برّاك بحرب إسرائيلية وشيكة ما لم يذهب لبنان إلى تفاوض مباشر مع كيان الاحتلال وما لم ينزع سلاح المقاومة، حسم النقاش حول الأمرين بموقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري يعتبر أن إطار التفاوض هو اللجنة الخماسية العسكرية المسماة بالميكانيزم المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، وأن الحل هو تنفيذ الاتفاق وفق بنوده وتسلسلها دون تحريف، وبعدما نفذ لبنان ما عليه على الاحتلال تنفيذ موجباته ليتم الانتقال إلى المرحلة الثانية.
فيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاته على لبنان مع استمرار تحليق المُسيرات الإسرائيلية بكثافة في الأجواء اللبنانية، تترقب الأوساط الرسمية زيارة الموفدين الأميركيين إلى لبنان لكشف حقيقة الموقف الأميركي من الملف اللبناني والمفاوضات للتوصل إلى حلّ يوقف الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي المحتلة واستعادة الأسرى، بينما برزت بوادر صراع سياسي كبير حول قانون الانتخاب بعدما نقلت القوات اللبنانية والكتائب ونواب من قوى التغيير المعركة إلى مجلس الوزراء بعدما سد رئيس مجلس النواب نبيه بري طريق المجلس أمامهم.
ووفق معلومات «البناء» فإنّ مسؤولين أميركيين سيصلون تباعاً إلى لبنان مطلع الشهر المقبل وفي مقدّمهم السفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى وقد تحضر الموفدة مورغان أورتاغوس أيضاً بعد فكّ الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لإعادة إحياء ملف التفاوض بين لبنان و»إسرائيل»، كما قد يزور توم برّاك أيضاً لبنان لتسليم المسؤولين اللبنانيين رسائل من الإدارة الأميركية حول رؤيتها للواقع الجديد بشأن سلاح حزب الله وتطبيق اتفاق 27 تشرين وفق ترتيبات أمنية جديدة. وتوقعت المصادر أن تحمل الزيارات الأميركية مقترحات جدية لحل الأزمة بين لبنان و»إسرائيل».
وأشارت مصادر رسمية لـ»البناء» إلى أنّ لبنان لم يتبلغ رسمياً بأيّ موعد لزيارة أميركية إلى لبنان، لكن الاتصالات التي تجريها مرجعيات رئاسية بمسؤولين أميركيين ولقاءات بعض النواب في الخارج تؤشر إلى أنّ زيارات أميركية عدة إلى لبنان ستحصل مطلع الشهر المقبل.
وأشار المبعوث الأميركي توم برّاك، في تصريح له، إلى أن «في 23 تشرين الأول 1983، قُتل 241 من مشاة البحرية الأميركية والبحارة والجنود، و58 من العسكريين الفرنسيين، وستة مدنيين لبنانيين، عندما فجّر انتحاريّ ثكنة مشاة البحرية في بيروت»، لافتاً إلى أنه «أحد أكثر الهجمات دموية على الأميركيين في الخارج». وأكد برّاك، أن «نحن نُكرّم ذكراهم بتذكّر الدرس: على لبنان أن يحلّ خلافاته بنفسه ويستعيد سيادته»، مضيفاً «لا يمكن لأميركا ـ ويجب ألا تكرّر أخطاء الماضي».
بدوره، دعا المتحدث باسم الخارجية الفرنسية باسكال كونفافرو في اللقاء الدوري مع الإعلام، «»إسرائيل» إلى احترام كامل التزاماتها ضمن إطار وقف إطلاق النار والانسحاب من نقاط تمركزها الخمس في جنوب لبنان».
وقال: «إنّ فرنسا، ومنذ أشهر طويلة، تقف إلى جانب لبنان ونحن نبذل كلّ ما في وسعنا للحفاظ على اتفاق 27 تشرين الثاني 2024. أما بشأن الضربات الإسرائيلية، فنحن ندين بأشدّ العبارات جميع الضربات التي تقتل المدنيين».
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى أنّ التواصل دائم بين الفرنسيين والسعوديين للبحث بسبل دعم أمن لبنان واستقراره وبذل الجهود الدبلوماسية مع الأميركيين لإلزام «إسرائيل» بوقف اعتداءاتها على لبنان والانسحاب ووقف التصعيد على الحدود.
كما علمت «البناء» أنّ رئيس الجمهورية يُجري اتصالات بمسؤولين أميركيين لتسجيل اعتراض لبنان على الاعتداءات الإسرائيلية وممارسة الولايات المتحدة الضغوط على «إسرائيل للانسحاب ووقف الخروقات وإعادة تفعيل اتفاق وقف إطلاق النار ولجنة الإشراف على تطبيقه. كما سجلت اتصالات بين مسؤولين سياسيين وعسكريين رسميين لبنانيين بأعضاء لجنة «الميكانيزم» لا سيما الأميركي والفرنسي للاستفسار عن الاستباحة الجوية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية والتقصير في أداء هذه اللجنة ودورها حيال الاعتداءات الإسرائيلية.
ووفق مصادر إعلامية فإن لا اقتراح واضحاً حول ملف التفاوض بل أفكار عدة وصلت إلى لبنان مربوطة بالتلويح بعودة التصعيد، وأن الأميركيين أوصلوا رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين بأنه في حال عدم تجاوب لبنان فإن خيار عودة التصعيد قائم دون أن يعني ذلك عودة الحرب بل توسّع الضربات الإسرائيلية إلى مناطق متفرقة.
إلى ذلك، واصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على الجنوب، حيث نفذت مُسيّرة إسرائيلية قرابة الثامنة والربع من صباح أمس غارة بصاروخ موجّه مستهدفة دراجة نارية على طريق الجبانة القديمة في بلدة عين قانا في منطقة إقليم التفاح، ما أدّى إلى استشهاد الشاب عيسى أحمد كربلا (هادي). وكان كربلا أوصل ابنه علي الأكبر (6 سنوات) إلى مدرسة المهدي في كفرفيلا وهو طالب فيها في الصف الاول الابتدائي، وعاد لزيارة ضريح ابنه مهدي في جبانة البلدة (والذي قضى منذ أشهر قليلة بحادثة مؤسفة)، عندها أطلقت باتجاهه مُسيّرة معادية صاروخاً، وهي كانت تحلق منذ ساعات الصباح الأولى في أجواء المنطقة، مما أدّى إلى استشهاده على الفور، واشتعال النيران بالدراجة.
وزعمت رئيسة قسم الإعلام العربي في جيش الاحتلال ونائبة قائد وحدة المتحدث باسم الجيش، كابتن إيلا عبر حسابها على منصة «اكس» أنّ «عيسى أحمد كربلا، قائد فصيل في قوة الرضوان في منطقة عين قانا، وقام الجيش الإسرائيلي بتصفيته»، مدّعية أنه «كان ضالعاً في نقل وسائل قتالية داخل لبنان وسعى إلى دفع مخططات ضد دولة «إسرائيل». أنشطته شكّلت خرقاً للتفاهمات بين «إسرائيل» ولبنان».
في الإطار نفسه، تفقد رئيس أركان جيش الإسرائيلي، إيال زامير، مناورة للفرقة 91 في الحدود الشمالية. وقال للعسكريين، «إلى جانب استمرار العمل العملياتي، وإحباط التهديدات، والحفاظ على مستوى عالٍ من اليقظة، عليكم العودة للتدريب ورفع الجاهزية للحرب في جميع القطاعات».
ومساء أمس، حلقت مُسيرة إسرائيلية على علو منخفض فوق منطقة راشيا.
وأشار رئيس الحكومة نواف سلام، في حديث مع مجلة «باري ماتش» الفرنسية إلى «أنني أعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى الحرب كما يرى ركوب الدراجة: إن توقّف سيسقط. ولهذا أنا قلق من الوضع؛ فعلى الحدود مع لبنان نواجه حرب استنزاف، ليست حرباً شاملة، لكنها حرب تُنهك الجميع».
وقال: «ما نطالب به اليوم هو التطبيق الكامل لوقف إطلاق النار الذي أُعلن في تشرين الثاني الماضي، والذي لم يُحترم بعد. الإسرائيليون لم ينسحبوا بالكامل، فما زالوا يحتلون عدداً من النقاط في الجنوب ويحتجزون أسرى لبنانيين. ولكي يكون وقف إطلاق النار فعلياً، يجب تنفيذه لا الاكتفاء بإعلانه».
ولفت إلى أن «الهدف النهائي واضح: استعادة الدولة احتكارها للقوة المسلحة، كما نصّ اتفاق الطائف عام 1989، وهذا يعني أنه في نهاية المطاف، يجب على حزب الله ـ شأنه شأن أيّ جهة أخرى ـ أن يعود حزباً سياسياً عادياً بلا جناح عسكري».
في المواقف الرسميّة أيضاً دعا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلال استقباله وفداً من الأحزاب الشبابية والمنظمات الطالبية في لبنان، إلى الخروج من الخلافات التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه، «فاقتصاد لبنان في الماضي كان من أقوى الاقتصادات في العالم، وكذلك عملته الوطنية، والانحدار الذي وصلنا إليه، نحن من يتحمّل مسؤوليته، وعلينا أن نأخذ العبر مما حصل، كي لا نكرر أخطاء الماضي».
وعشية جلسة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا بجدول أعمال مؤلف من 40 بنداً معظمها اقتصاديّ وماليّ، استقبل الرئيس عون النواب الموقّعين على اقتراح قانون تصويت المغتربين. وقال النائب غسان حاصباني باسم الوفد: «تمنّينا على فخامته الطلب من الحكومة المبادرة، وبأسرع وقت، إلى إعداد وإرسال مشروع قانون عاجل بمرسوم إحالة إلى مجلس النواب لتصحيح هذا الخلل في قانون الانتخاب، خصوصاً بعد أن كانت الحكومة نفسها قد أشارت سابقاً إلى الغموض والالتباس القانوني الذي يعتري النص الحالي، لا سيّما في ما يتعلق بتوزيع المقاعد الستة المخصصة للمغتربين على القارات».
وقال رئيس الجمهورية لوفد النواب: من حق المنتشرين اللبنانيين بأن يكون لهم الدور التشاركي مع اللبنانيين المقيمين في القرار السياسي اللبناني من خلال صندوق الاقتراع ومتمسكون بمسلمتين أساسيتين؛ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ووجوب مشاركة المنتشرين فيها.
ووفق المعلومات فإنّ الرئيس سلام سيعمد إلى إدراج اقتراح القانون الذي تقدّم به وزير الخارجية يوسف رجي في الجلسة الوزارية المقبلة مع تصاعد ضغط نواب الأكثرية النيابية على رئيس الحكومة.