كتبت أمل شموني في نداء الوطن:
في الوقت الذي يواجه فيه لبنان تعقيدات الضغوط الداخلية والخارجية، يتصاعد النقاش داخليًا ولو على نار خافتة، حول الدعوة إلى نزع سلاح "حزب الله" أو إلى احتوائه، فيما حددت الولايات المتحدة مسألة نزع سلاح "حزب الله" ليس فقط كهدفٍ استراتيجي، بل كخطوةٍ حاسمةٍ نحو استعادة الاستقرار في لبنان والشرق الأوسط عمومًا.
في الواقع يجد المسؤولون اللبنانيون أنفسهم عند مفترق طرق بين مطالب الشركاء الدوليين وواقع الديناميكيات السياسية المحلية. فالرئيس جوزاف عون أشار مؤخرًا إلى أن "السلاح ليس الأساس، إنما النية في استعماله هي الأساس"، في المقابل تضع واشنطن وعواصم القرار الأخرى مسألة نزع السلاح غير الشرعي كشرطٍ مسبقٍ للمساعدات في إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي. من هنا، تتجاوز مبررات نزع السلاح عمليًا مجرد المخاوف الأمنية لتصبح ضروريةً لتجديد لبنان. فنزع السلاح غير الشرعي لا يقتصر على تفكيك ميليشيات، بل يتمحور حول تمكين الدولة اللبنانية من استعادة سلطتها وتطوير إطارها الأمني الشرعي. وقد عبّر مصدر دبلوماسي أميركي عن هذا الشعور بالقول "إن نزع سلاح "الحزب" يتعلق بضمان ألا تُملي أهواء جماعاته مستقبل لبنان".
ففي قراءة للتجاذبات في جنوب لبنان، أكد مصدر عسكري أميركي أن الأمر يتعلق بتفكيك الكباش العاصف بلبنان لسنوات، فالدعوة إلى نزع السلاح تهدف إلى كسر أنماط الصراع المتجذرة فيه. فما يحدث في الجنوب يضع الجيش اللبناني في موقف حرج وصراع صعب (between a rock and a hard place). فالجيش، بقرار حكومي، باشر بتمشيط ونزع السلاح في منطقة جنوب الليطاني. ولكن كلما تقدّم خطوة انبرى سياسيون معارضون لعملية نزع السلاح بالتصريح بأن الجيش ينفذ أجندا أميركية وإسرائيلية، وهذا لا يساعد في تحقيق هدف الحكومة لذا نرى المسؤولين اللبنانيين beating around the bush، كي لا يتطرقوا إلى الموضوع مباشرة.
ويرى المصدر أن نزع السلاح أمرٌ بالغ الأهمية للمشهد الأمني الشامل في لبنان، مشيرًا إلى أن "سحب أسلحة "حزب الله" من التداول، يُقلل من تعرض لبنان للعمل العسكري الإسرائيلي". وهذا يُشير إلى تحوّل في ديناميكيات الأمن في لبنان. فبمجرد تخفيف "التهديد المُتصوَّر من "حزب الله"، تزداد احتمالية استقرار الوضع الحدودي، ما يُمهد الطريق لخفض الأعمال العدائية وإمكانية إجراء مفاوضات سلام. ومع ذلك، يقول المصدر إن الجانب الإسرائيلي لا يتعاطى بإيجابية في هذا الملف، إذ يعرف أنه يزيد الضغط على لبنان العسكري والسياسي كلما استهدف موقعا لـ "حزب الله". وتساءل المصدر عما إذا كان الميكانزيم الموجود بحاجة إلى تعديل أم أن الجانب اللبناني بحاجة إلى العمل على التنفيذ السريع؟ فقضية نزع سلاح "حزب الله" تُلخص بطبقاتٍ مُعقدة من الأمن والحوكمة والديناميكيات الإقليمية. والرسالة الأساسية واضحة: إن نزع سلاح "حزب الله" أمرٌ أساسيٌّ لتعزيز لبنان مستقرّ وذي سيادة، خالٍ من الهيمنة الخارجية رغم الخلافات الداخلية.
في المقابل، لفت خبراء أميركيون إلى تناقض السرديات الحكومية مع ما ينص عليه اتفاق 1701 ما يعكس تخبطًا سياسيًا صارخًا. فالدعوات إلى استراتيجية احتواء ينبع منطقها من الرغبة في منع رد الفعل العنيف على القرارات الحكومية. ويأمل هؤلاء الخبراء في أن يُتيح هذا التكتيك فرصة لإجراء إصلاحات ضرورية ليصبح خيار الدولة أكثر جاذبية. إلا أنهم يؤكدون بأن ذلك ينطوي على أخطار كبيرة، أبرزها أن استراتيجية الاحتواء قد تُرسّخ ولو عن غير قصد قوة "حزب الله" بدلًا من تفكيكها تمامًا. إذ يؤكد مصدر عسكري أميركي أن نزع سلاح "حزب الله" يندرج في السياق الأوسع للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، فنزع سلاح "حزب الله"، يقول المصدر، "سيمثل ردًا ملحوظًا على التوسع الإيراني عبر ميليشياتها في لبنان". من هنا تأكيد نزع سلاح "حزب الله" يعني دولة لبنانية آمنة، ومساحة أقل للتدخل الخارجي.
ورغم أن شبح الحفاظ على السلم الأهلي يُعقد النقاش حول نزع السلاح، ما ينعكس ترددًا لجهة المطالبة باتخاذ تدابير فورية لنزع السلاح، خوفًا من أن تُزعزع هذه الإجراءات الاستقرار الهش. غير أن مصدرًا في الخارجية الأميركية أكد أن "تأخير نزع السلاح مُقامرة ستشجع "حزب الله" على الاستمرار في تعنته، ما يُقلّل في نهاية المطاف من فرص لبنان في التعافي والإصلاح". فقد أعرب مصدر عسكري أميركي عن مخاوفه من فكرة احتواء سلاح "الحزب"، قائلا :"إننا نمنحه الشرعية. إنه منحدر زلق!". ويؤكد هذا المنظور على تزايد المخاوف من أن الاحتواء قد يكون سلاحًا ذا حدين. وأشار المصدر إلى أنه كلما "أُطيلت مدة بقاء "حزب الله" مسلحًا وفاعلًا، زاد التهديد الذي يشكله ليس فقط على لبنان، بل على الأمن الإقليمي أيضًا".
في الخلاصة، يواجه لبنان تحديات معقدة. غير أن واشنطن تشدد على ضرورة إعطاء الأولوية لعملية نزع السلاح التي "رحبت بها الحكومة". وتؤكد الإدارة الأميركية على إلحاح هذه المسألة، إذ تعتبر الوقت عاملًا حاسمًا. فإذا فشلت الحكومة اللبنانية في التصرف بسرعة وفعالية، فقد تتعمق دائرة العنف. من هنا، يلفت مصدر في الكونغرس من المؤيدين لنزع سلاح "حزب الله" بشدة إلى أنه مع توفير لوجستيات كافية ودعم دولي قوي للوصول إلى هذا الهدف. فنزع سلاح "حزب الله" سيشكل تداعيات إيجابية عميقة على الحياة السياسية، لا سيما لجهة تراجع نفوذ "الحزب" في المشهد السياسي والبرلماني.
The post واشنطن: نزع سلاح "الحزب" لا احتواؤه هو الضمانة السريعة appeared first on Lebtalks.