منذ تولّيه رئاسة الجمهورية وانتقاله بسوريا نحو الانفتاح السياسي والحريات العامة، لم يبتعد الرئيس أحمد الشرع عن نبض الشارع السوري. لقاءاته المتكرّرة مع الناس ومواقفه القريبة من همومهم جعلت السوريين يلقّبونه بمودّة بـ “أحمدنا”، في دلالة على شعورهم بالانتماء إليه بعد عقودٍ من الانقسام والدماء والدموع.
لكن المفارقة أن هذا اللقب لم يقتصر على السوريين وحدهم؛ فثمّة في لبنان أيضًا من يرى في الشرع رئيسًا يعنيهم بقدر ما يعني السوريين. ولعل هذا التفاعل العابر للحدود يعكس عمق العلاقة بين الشعبين، بما تحمله من تشابكٍ تاريخي وجغرافي وسياسي يعود إلى ما قبل الانتداب، وتحديدًا في عهدَيْ حافظ وبشار الأسد.
بين لبنان وسوريا
في فضاء التواصل الاجتماعي الذي بات ساحة للرأي العام، يروي صديقٌ لبناني تفاصيل حوارٍ طريفٍ دار بينه وبين متفاعلين سوريين.
كتب أحدهم ممازحًا: “ما شأنك برئيسنا؟”
وكتب آخر مرفقًا تعليقه برمز ضاحك: “وهل ستتدخلون برئيسنا؟”
ليقفل النقاش أحد المعلّقين بحزمٍ وفخرٍ قائلاً: “هذا أحمدنا”.
لكن المفاجأة كانت بردّ اللبناني بثقةٍ لا تقلّ فخرًا: “أحمدنا نحن كمان”.
خلفية الموقف اللبناني
صاحب الوسم #أحمدنا_نحن_كمان هو كاتبٌ وباحثٌ لبناني يشرح لـ”” أسباب تأييده للرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يراه قائد الثورة التي وُلدت في آذار 2011 وانتهت – برأيه – على يديه بانتصارٍ سياسيٍّ أذهل العالم.
يقول الصديق اللبناني: “ربما من منطلقٍ طوائفي لا طائفي، لكنّ الأمة السنية تلقت ضرباتٍ متلاحقة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، واغتيال رفيق الحريري، ثم إعدام صدام حسين صبيحة عيد الأضحى عام 2007، وأحداث 7 أيار 2008، وصولاً إلى سقوط أنظمةٍ عربية سنيّة، بينما حُيّد بشار الأسد عن موجة الربيع العربي. في خضمّ كل ذلك، جاءت التجربة الشرعية لتعيد الثقة المفقودة وتمنح الأمل بدورٍ سنيٍّ نهضويٍّ جديد”.
سوريا الجديدة
يضيف الباحث: “سوريا التي كانت قلب التاريخ الإسلامي وبوابة الشرق الأوسط، سقطت في السنوات الماضية في قبضة المحاور الإقليمية وتحت شعاراتٍ طائفيةٍ مقيتة. جاء أحمد الشرع ليعيد وصل ما انقطع بين سوريا وعمقها العربي، وليؤكد أن هوية الدولة السورية لا يمكن أن تُختزل بمحورٍ أو مذهبٍ أو جهةٍ واحدة. لذا يتمسّك به السوريون، ونتمسّك نحن به أكثر، لأنه يعنينا بقدر ما يعنيهم”.
شعبية عابرة للحدود
من الواضح أن الرئيس أحمد الشرع يحظى بجماهيرية لافتة في الشارع اللبناني، ليس في الأوساط السنيّة وحسب، بل داخل الطيف الوطني الأوسع المناهض للمحور الإيراني.
فهو أول رئيسٍ سوريٍّ يعترف بلبنان كدولةٍ ذات سيادة حقيقية، على خلاف نهج آل الأسد، ما خلق حالةً من الطمأنينة لدى اللبنانيين حيال “سوريا الجديدة” وسياساتها الإقليمية.
ولعلّ شريحةً واسعة من اللبنانيين، التي ما زالت تبحث عن زعامةٍ سنيةٍ جامعة، ترى في أحمد الشرع نموذج القائد العربي الذي طال انتظاره.
بين الحب الشعبي والرهان السياسي، يبقى أحمد الشرع أمام امتحان التاريخ، ليبرهن أن الثورة تُختتم بالمؤسسات، وأن الزعامة الحقيقية تُقاس بقدرتها على بناء الدولة.
The post شعب واحد في دولتين من جديد؟!.. د. عاصم عبد الرحمن appeared first on .