“الحرب على غزة إنتهت” عبارة رددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرات عدة من الكنيست الإسرائيلي الى قمة شرم الشيخ، في رسالة واضحة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي قال في تصريح له “إن الحرب ما تزال مفتوحة”، وإلى وزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي بالغ في تهديد حماس في حال لم تسلّم خلال المهلة المتفق عليها جثامين الأسرى الاسرائيليين.
إلتزمت حماس بما تعهدت به لجهة إطلاق عشرين أسيرا صهيونيا أحياء دفعة واحدة وأربعة جثامين من القتلى، وهي سبق وأبلغت من يعنيهم الأمر أن ثمة إستحالة لتسليم ما تبقى من جثامين وعددها ٢٨ جثة إسرائيلية، كونها تحتاج إلى جهود كبيرة للتفتيش عنهم بعدما أدى القصف الإسرائيلي والتدمير الممنهج إلى تغيير معالم الشوارع والأحياء في غزة، في حين لم تلتزم إسرائيل بقائمة المعتقلين الفلسطينيين حيث أفرجت عن ١٩٦٨ شخصا من بينهم محكومين بمؤبدات وبأحكام عالية، وأبقت على المعتقلين من القادة الكبار وعملت على إبعاد بعض المفرج عنهم إلى مصر.
ولا شك في أن تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي لحماس في حال عدم تسليمها جثث الاسرائيليين قد يشكل ذريعة مستقبلية لخرق وقف إطلاق النار في غزة أو القيام بعمليات إغتيال على غرار ما هو حاصل في لبنان، لكن ذلك سيضع إسرائيل في موضع المساءلة الدولية خصوصا بعد وثيقة وقف إطلاق النار التي وقعها في قمة شرم الشيخ كل من أميركا ومصر وقطر وتركيا، بحضور عدد من زعماء وقادة العالم الذين أعطوا الضمانات الكاملة بعدم إستئناف الحرب أو القيام بأي عدوان على غزة.
حضر الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، مؤكدا أنه إمبراطور العالم الساعي إلى السلام من وجهة نظر أميركية – إسرائيلية ومتجاهلا أكثر من مئة وخمسين دولة وافقت على الاعتراف بدولة فلسطين، في حين أدار الأذن الطرشاء للكلمات التي ألقيت في المؤتمر وشددت على أن أساس السلام في المنطقة يقوم على حل الدولتين وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
في الكنيست الإسرائيلي سعى ترامب إلى إخراج إسرائيل من العزلة العالمية التي تسببت بها وحشيتها ودمويتها وعنصريتها في حرب السنتين على غزة، وحاول في الوقت نفسه نسج شبكة أمان حول نتنياهو المحاصر داخليا بالمعارضة التي تريد رأسه، وبالمجتمع الإسرائيلي الغاضب من العزلة العالمية ومن أهالي الأسرى الذين يعتبرون أن نتنياهو كان بوسعه إيقاف الحرب التي تبين أن لا أفق لها قبل أشهر، وكان بوسعه ضمن صفقة تبادل أن يستعيد أكثرية الأسرى الاسرائيليين أحياء، بدل أن يعود معظمهم جثثا في الصناديق، فضلا عن قضايا الفساد التي طالب ترامب الرئيس الإسرائيلي أن يسقطها عن نتنياهو الذي بدا خلال إلقاء كلمته مربكا، كونه يدرك أن أساس وجوده في الحكم هو إستمرار الحرب، وهو إما أن يواجه مصيرا محتوما يقوده إلى السجن أو أن ينجح في فتح جبهة ثانية بذرائع مختلفة.
أما في شرم الشيخ فقد بدا الرئيس ترامب مزهوا بإنجاز وقف إطلاق النار وبإنهائه ثمانية حروب على حد قوله، وفي ذلك رسالة إلى المجتمع الأميركي الرافض لمغامراته ولتوفيره الدعم المطلق لجرائم إسرائيل التي نجح الإعلام الفلسطيني والعربي والمقاوم في أن يكشفها أمام الرأي العام العالمي وأن يُسقط القناع عن الكيان الغاصب وإظهار حقيقته الإجرامية.
كذلك، فقد مارس ترامب في قمة شرم الشيخ دور الراعي للشرق الأوسط ودول العالم، وعمل على إعطاء شهادات حسن سلوك إلى بعض الزعماء والقادة العرب والأجانب المشاركين، والتأكيد على أنه صانع السلام الأول في هذا العالم، حيث منحه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قلادة النيل كبدل عن ضائع لجائزة نوبل للسلام.
قمة شرم الشيخ رسخت إرادة عربية دولية لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، والانطلاق في مسار السلام الذي يناقض مواقف الكثير من رؤساء الدول المشاركة والداعين إلى حل الدولتين أولا، ومن ثم البحث بالخطوات التالية، ما يعني أن القمة لن يكون لها أي تأثير على مسار السلام في ظل إصرار ترامب ونتنياهو على عدم الاعتراف بالحق الفلسطيني، كما جاءت القمة لتضع آليات لاعادة إعمار غزة، وهي أعادت دور مصر كوسيط فعال في إنهاء حروب المنطقة إلى جانب قطر وتركيا التي تمارس دور المساندة لفلسطين إضافة إلى مراقبة حسن تطبيق الاتفاق، فضلا عن تعزيز آحادية النفوذ الأميركي في المنطقة.
إذا، فقد توقفت الحرب على غزة التي إنتصرت بكلفة عالية جدا ونجحت في إفشال مخطط نتنياهو، وفي فرض الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين الذين لم يكن من الممكن إطلاق سراحهم إلا بصفقة تبادل عمل نتنياهو كل ما بوسعه خلال السنتين الماضيتين لإفشالها لكنه في النهاية رضخ للأمر الواقع الذي رسمته المقاومة الفلسطينية، لتبدأ بعد القمة مرحلة من الصراع السياسي والاستراتيجي حول آليات الحكم والإدارة في قطاع غزة في المرحلة المقبلة.
The post قمة شرم الشيخ ترسّخ إرادة عربية دولية لإنهاء الحرب على غزة.. ماذا عن حل الدولتين؟!.. غسان ريفي appeared first on .